مر بالأمس اليوم العالمي للاحتفاء والاعتراف باللغة العربية كواحدة من لغات العالم الست الرسمية الحيّة والمتفاعلة والصامدة عبر تاريخ طويل من المسيرة الحضارية الإنسانية، وبهذه المناسبة يجب علينا أن نطرح سؤالاً نبتغي من ورائه التحديث والتطوير وملاءمة العصرنة والتقانة الجديدة للغتنا الأم، لغة الضاد، كيف لنا أن نعولم لغتنا، ونثقف عالمنا، ونصدرّ هويتنا العربية المتفاعلة والفاعلة في النسيج الحضاري العالمي؟
ومن ذكريات وقت مضى أتذكر أستاذ اللغة العربية حينما كان يقول لنا: يا ولد.. أكتب سطراً.. وأترك سطراً، ولي مع أساتذة اللغة العربية صولات وجولات، مثلما كان لهم ذلك التأثير القوي في صقل الشخصية وتوجيهها نحو الفخر والاعتزاز بهويتها.
في الصفوف الأولى للمرحلة الثانوية، عين لمادة اللغة العربية في مدرستنا، أستاذ من جنوب السودان، كان أسمر شديد السمرة، ينتصب كرمح محارب في غابة، كان يطل علينا كل يوم ضاحكاً عن صف أسنان بيضاء تلمع، وصابون الصباح يعطي لوجهه اغبراراً غير محبب، كان يجيد العربية، لكنه غير قادر على تدريسها، لقد أشفقنا عليه من الحصص الأولى أو هكذا كان الانطباع الأول عنه، وأدركنا ذلك حين تمادى في تدريسنا النصوص والمحفوظات والقراءة، ويصر عليها إصراراً، ولا يقارب النحو والقواعد مطلقاً، والتي كانت تبدو ثقيلة عليه ثقل الرحى القديمة، أستاذنا كانت له ميزة أخرى، غير الفرح والضحك والابتسامة التي لا تفارقه، كان قليل الذاكرة أو لديه بعض الخطوط تتشابك هكذا فجأة، فمرة ينشد بيتاً للمتنبي، وحين ينتهي يقول: «يا سلام.. يا أخي.. ابن الرومي دا شاعر جميل خالص» فنصحح له القول، ونذكّره بأنه للمتنبي، وبعد قليل يرد: «أي.. كلامه جميل جداً..جداً.. البحتري دا». وهكذا كانت تمر دروس العربية محفوظات ومطالعة، لا نحو ولا صرف ولا قواعد التي كان طعمها علقماً في حلقه وحلوقنا، وكنا نفرح بذلك جميعنا، ولكننا من باب المشاغبة وحين يسألنا عن درس اليوم، نطلب منه درساً في القواعد، فيمتعض، ويطلب منا أن نركزّ على المطالعة، لأنها تقوي اللغة عندنا، فنفتح كتاب القراءة كالعادة، والذي بدأ في الاهتراء من كثرة الاستعمال اليومي. وفي مرة طلب منا في حصة التعبير أن نرتجل تعبيراً شفوياً في وصف جو المطر وإيناع الزهر وقدوم الربيع، فتلككنا.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية
