من الجمل الثرية كلمة رولان بارت (النص مجرةٌ من العلامات)، ولنا توسيع الفكرة لتشمل كل ما في الكون من بشر وطبيعة وأنها مجراتٌ من العلامات، وكان الأعرابي القديم يقرأ صفحة السماء كما نقرأ الآن ورقةً من كتاب، وهو ينظر للنجوم بوصفها علامات كما في الآية الكريمة (وعلامات وبالنجم هم يهتدون)، وقد قرأ الأعرابي الأول بفطرته الحية صفحة النجوم قراءةً بنيوية، حيث ربط بين علاقات النجوم مع بعضها بعضاً، وكيف تتشكّل وتتكوّن منها بنيةٌ مترابطة، واستكشف عبر تلك القراءة العلاقات القائمة بين العناصر إلى أن توصل للعنصر الرئيس الذي يعادل (الصوتيم) في النظرية البنيوية، فتعرف على نجم مركزي تدور حوله النجوم وهو ثابتٌ في نقطة لا يزول عنها، بينما البقية كلها تتحول وتتحرك، ومن ثم تعرف على الوجهات الأربع، واتخذ من النجم الثابت (النجم القطبي) علامةً تدير بقية العلامات، لذا عرف كيف يترحل في فضاءات الصحراء من دون أن يتيه، وهذه قراءةٌ مذهلةٌ ترتبت عليها أمور الحياة والبقاء في متاهات الصحراء.
هذا النموذج الفذّ من القراءات يظل يتجدد مع نظريات القراءة جيلاً بعد جيل، ولا تستقيم أي قراءة ما لم تعط العلامات حقها في فك بنية الخطاب ومن ثم قراءته وتأويله، وتبعاً لذلك نستدعي مقولة دي سيرتو بأننا نعيش اليوم في إمبراطورية النمل، أي مع منظومات من العلامات التي لا تنتهي، ومن ثم فكل شيء هو لغةٌ والإنسان نفسه لغةٌ، وكل سلوك للإنسان هو إشارات دالة.
هنا نأتي للجمهور الذين لم يكن لهم وزنٌ ثقافي في الأزمنة القديمة، حين كان الجمهور أمياً تقابله أقليةً متعلمة تصف نفسها بالخاصة، ثم اكتسبوا اسم النخبة، غير أن الحاجز انكسر مذ تعلم الكل وبرز صوت العامة وأصبح قيمةً فاعلةً وحاسمة، وهم يمثلون علامةً ثقافية تتطلب التأمل في دورها الوظيفي، وتحديداً في حالتي الإقبال أو العزوف، ومعها سؤالان (لماذا وكيف)، وبما أن الجمهور قارئ حرٌّ وذواقة حر وليس ملتزماً ببراهين غير دوافعه الذاتية، وهو بدوافعه هذه يجد في شعر محمود درويش مثلاً إنسانيةً تجعله يقرأ نفسه عبر محفزات النص، الذي سيكون لغةً رديفةً يصدر عنها القارئ تجاه النص، ولن يكون الجمهور هنا مجرد متلقٍ للنص بل هو قارئٌ تفاعليًّ به يمتد النص من منتجه إلى الاستقبال المفتوح، مع غياب المؤلف (موت المؤلف) غياباً مطلقاً، وهنا تحدّث هذه العلاقة الوثيقة مع النص مثل علاقتنا كلنا مع أبيات المتنبي التي تكشفها الاقتباسات الجماهيرية بذائقةٍ كونية فريدة التكوين، بينما نصوص أدونيس لا تصل إلى الجمهور لأنها تجريديةٌ وتبلغ حد الانغلاق.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية


