مع اقتراب انطلاق بطولة كأس أفريقيا 2025، تتجه أنظار الجماهير العربية نحو المنتخبات التي تمثلها في هذا المحفل القاري الكبير، وسط آمال وطموحات تتفاوت من منتخب إلى آخر.
فبين منتخبات تدخل البطولة بخبرة تاريخية وطموح المنافسة على اللقب، وأخرى تسعى لإثبات حضورها وتجاوز الأدوار الأولى، تبقى الحسابات الفنية والاستعدادات وحالة اللاعبين وطبيعة المنافسين، عوامل حاسمة في تحديد حظوظ كل منتخب.
في هذا التقرير من winwin، نستعرض فرص المنتخبات العربية المشاركة في كأس أفريقيا 2025، عبر قراءة موضوعية لإمكاناتها الفنية، وتاريخها في البطولة، والعوامل التي قد تعزّز أو تعيق مسيرتها في الطريق نحو الأدوار المتقدمة.
المغرب ولقب كأس أفريقيا.. المجد المفقود منذ عقود
يشارك المنتخب المغربي في كأس أفريقيا للمرة الـ19، وهو يلعب هذه النسخة مدججًا بعاملي الأرض والجمهور كونه البلد المضيف.
يُعد المغرب المرشح الأول لتحقيق اللقب، نظرًا لجيله الحالي الذي يُصنّف على أنه الأفضل في تاريخه الحديث، في ظل الانتعاش الكبير الذي تعيشه الكرة المغربية بعد إنجاز مونديال قطر 2022 باحتلال المركز الرابع، وضمان التأهل إلى نهائيات كأس العالم 2026، فضلًا عن تتويج المنتخب الرديف بكأس العرب، وتألق منتخبات الفئات العمرية.
وضعت قرعة كأس أفريقيا 2025 المغرب في المجموعة الأولى إلى جانب مالي وزامبيا وجزر القمر، ويُعد مرشحًا فوق العادة لصدارة المجموعة والذهاب بعيدًا في البطولة.
ورغم هذا الزخم، يبقى السجل المغربي في أمم أفريقيا محيّرًا؛ لقب وحيد يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، ووصافة واحدة عام 2004، في مفارقة غريبة لمنتخب يضم أسماء تتألق أوروبيًا لكنها كثيرًا ما تعثّرت قاريًا.
ويدخل "أسود الأطلس" البطولة بنجوم من العيار الثقيل، يتقدمهم ياسين بونو، أشرف حكيمي، بلال الخنّوس وإبراهيم دياز، الذي يقدّم أرقامًا لافتة، ما يضع المدرب وليد الركراكي أمام ضغط مضاعف، إذ إن أي نتيجة لا تنتهي بالتتويج ستُصنّف كإخفاق صريح.
"الفراعنة".. مصالحة الجماهير ضرورة!
يدخل المنتخب المصري، زعيم القارة وصاحب الرقم القياسي في عدد الألقاب (7)، البطولة بقيادة فنية جديدة مع الكابتن حسام حسن، وسط حالة من التفاؤل الحذر، رغم التخبط الإداري والمستوى المتذبذب في الفترة الأخيرة، ولا سيما الإخفاق في كأس العرب، حيث فشل المنتخب الثاني في عبور دور المجموعات.
ويوجد "الفراعنة" في المجموعة الثانية مع جنوب أفريقيا وأنغولا وزيمبابوي، وهي مجموعة ليست سهلة، لكن الرهان يبقى على قدرة محمد صلاح ورفاقه على قيادة المنتخب نحو أدوار متقدمة، استنادًا إلى التاريخ الطويل لمصر في البطولة، حيث اعتادت الظهور بوجه مغاير في كأس أفريقيا مهما كانت ظروفها.
ويسعى المنتخب المصري لإعادة لقب كأس أفريقيا الغائب عن خزائنه منذ 15 عامًا، مدعومًا برغبة واضحة لدى لاعبي الصف الأول، وعلى رأسهم محمد صلاح وعمر مرموش، لتقديم بطولة قوية يتم بها صناعة إرث لهذا الجيل.
تتجه جميع الأنظار تحديدًا إلى صلاح، الذي يرى "الكان" فرصة لإعادة ضبط مساره الفني والنفسي، واستعادة حسّه التهديفي، بعد تراجع بمستواه هذا الموسم والخلاف مع مدربه في ليفربول أرني سلوت، لكنّ قوة المنافسين في المجموعة، بحضور أنغولا وجنوب أفريقيا وهما متصدرتان لمجموعتيهما في التصفيات، يجعل المهمة اختبارًا حقيقيًا لكتيبة حسام حسن.
"محاربو الصحراء".. هل نضعها في "الجول" مجدداً؟
بلغ المنتخب الجزائري كأس أفريقيا 2025 بأداء قوي وثابت في التصفيات، متصدرًا مجموعته دون خسارة، ما يعكس حالة من الاستقرار النسبي والطموح العالي.
ويدخل "محاربو الصحراء" البطولة بأسماء وازنة، يتقدمهم رياض محرز، صانع مجد 2019، لوكا زيدان نجل "زيزو" الذي اختار تمثيل ألوان الجزائر، إلى جانب عناصر جديدة أثبتت حضورها في كأس العرب على غرار عادل بولبينة، ما يمنح المنتخب مزيجًا بين الخبرة والطموح.
تاريخيًا، تدخل الجزائر كأس أفريقيا كمرشح دائم، مدعومة بعمق التشكيلة والزخم الهجومي، وقد أظهرت أرقام التصفيات (16 هدفًا مقابل هدفين فقط) صورة منتخب متوازن دفاعًا وهجومًا، ما يعزز الآمال في ظهور قوي ومنافس على اللقب.
تبقى مواجهة غينيا الاستوائية الأصعب، في ظل سجل هذا المنتخب كحصان أسود دائم، خصوصًا أنه كان سببًا في خروج الجزائر المبكر في النسخة الماضية. وتضم المجموعة أيضًا السودان وبوركينا فاسو، ما يجعل حساباتها معقدة ومفتوحة على جميع الاحتمالات.
"صقور الجديان" بين آلام السياسة وآمال الرياضة
يشارك المنتخب السوداني في كأس أفريقيا وسط ظروف بالغة الصعوبة على الصعيد العام، وهو ما ينعكس على مسيرته الفنية، إذ لا يزال في مرحلة بناء وإعادة تشكيل.
ويوجد السودان في المجموعة الخامسة مع الجزائر وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية، وهي مجموعة تفرض مجهودًا مضاعفًا للمنافسة على بطاقة تأهل.
ويعتمد الجهاز الفني على الجانب النفسي، واللعب بروح قتالية عالية، ومحاولة تقليص الفوارق الفنية عبر الانضباط والمجهود البدني.
وتبقى الأرقام الهجومية في التصفيات (4 أهداف فقط) مؤشرًا على صعوبة المهمة، رغم أنّ تاريخ السودان في البطولة، ولقبه الوحيد عام 1970، يمنحه إرثاً وقابلية لصنع المفاجأة.
تونس.. العودة لضبط الإيقاع
تواصل تونس حضورها القياسي عربيًا بمشاركتها السابعة عشرة تواليًا في كأس أفريقيا منذ عام 1994.
ويدخل "نسور قرطاج" البطولة في ظل تغييرات إدارية وفنية في الكرة التونسية، وذاكرة قريبة مؤلمة بعد خروج مبكر في النسخة الماضية وخروج من الدور الأول بكأس العرب، لكن القرعة وضعتهم في مجموعة تمنحهم فرصة حقيقية لمصالحة الجماهير.
وتمتلك تونس تاريخًا مميزًا في التعامل مع المنتخبات الكبرى، مدعومة بلاعبين أصحاب خبرة وجودة، مثل حنبعل المجبري، فرجاني ساسي، وسيف الدين الجزيري، مع بروز أسماء شابة قادرة على إضفاء الحيوية على الخط الأمامي مثل إسماعيل الغربي محترف أوغسبورغ الألماني.
ويبقى الهدف الأساسي لتونس في كأس أفريقيا بالمغرب، استعادة التوازن قبل التفكير في الذهاب بعيدًا، علمًا أن اللقب الوحيد لها يعود إلى نسخة 2004 على أرضها.
جزر القمر.. مشروع واقعي يتحدى الفوارق
يُعد منتخب جزر القمر من أحدث المنتخبات العربية حضورًا في النهائيات، لكنه لم يعد مجرد ضيف شرف. يقود المنتخب المدرب الإيطالي ستيفانو كوزين، أحد الأسماء التي راكمت خبرة طويلة في الكرة الأفريقية، ويجيد العمل في البيئات محدودة الموارد، عبر بناء فرق منظمة ذات هوية واضحة.
المغرب.. أسرار الفشل في كأس أفريقيا وفرصة لكسر اللعنة اقرأ المزيد
وتعتمد جزر القمر على لاعبين من أصول قمرية ينشطون في الدرجات الثانية والثالثة في أوروبا، دون أسماء لامعة، لكن بمنظومة جماعية صارمة، قائمة على الانضباط الدفاعي، واللعب المباشر، والتحولات السريعة.
هذه الواقعية التكتيكية كانت مفتاح إنجازاتهم، سواء في تصدر مجموعتهم في التصفيات دون خسارة، أو في فوزهم التاريخي على غانا في النسخة الماضية، الذي شكّل إعلانًا واضحًا عن ميلاد منتخب صعب المراس.
في المجموعة الأولى مع المغرب ومالي وزامبيا، تبدو المهمة معقدة، لكن بطاقة أفضل الثوالث تبقى هدفًا منطقيًا، خاصة لمنتخب أثبت أنه يعرف كيف يستثمر المفاجأة ويُربك الكبار.
ما بين خبرة متراكمة وطموح متجدّد، يدخل العرب كأس أمم أفريقيا 2025 وهم يحملون أسئلة أكثر مما يحملون اليقين في بطولة لا تعترف بالأسماء وحدها، ولا تمنح المجد إلا لمن يُحسن إدارة التفاصيل الصغيرة تحت الضغط.
وفي قارة اعتادت كسر التوقعات، تبقى الفرصة قائمة لكل منتخب ليكتب فصله الخاص، إما استعادةً للمكانة أو بداية لمسار جديد لا يشبه ما قبله.
هذا المحتوى مقدم من winwin
