"عمّان.. دحبرها دحبرها"

​بقلم: ناهد صلاح

​ونحن على مشارف نهاية هذا العام، قررت أن أكتب عن المدن التي زرتها خلاله، لا بوصفها محطات سفر عابرة، بل كأماكن تركت أثرها فيّ. مدن لا تُختصر في صور، ولا تُفهم من دليل سياحي، بل من التجربة، من الناس، من التفاصيل الصغيرة التي لا تُرى من النظرة الأولى.

أبدأ هذه السلسلة بالعاصمة الأردنية عمّان، المدينة التي لا تُؤخذ من الواجهة، ولا تُقرأ من شوارعها العريضة وحدها.

أثناء زيارتي الثانية للعاصمة الأردنية في شهر يوليو الماضي بدعوة من مهرجان عمّان الدولي للفيلم الأول، ​لم تكن دعوة صديقي الناقد الكبير ناجح حسن لتناول المنسف مجرد اقتراح غداء، بل اقتراح معرفة.. قال ناجح ببساطة: "نروح دحبرها دحبرها" كأن الاسم وحده كافٍ ليحسم الأمر. كانت تلك أول مرة لي، أول "دحبرها"، وأول اختبار حقيقي لعلاقتي بالمنسف خارج الحكايات.

​في المطعم، لا شيء يدّعي الأناقة، كل شيء يقول إنه هنا لأجل الطعام فقط. المنسف جاء واثقًا من نفسه؛ لحم مطهو بلا تكلّف، جميد لا يهادن ولا يساوم على هويته، أرز يعرف دوره جيدًا، ناجح لم يتصرف معي كمرشد سياحي للمطبخ الأردني، بل كصديق يعرف أن التجربة تُترك لتفعل فعلها دون شرح. بين لقمة وأخرى، دار الحديث كما يدور دائمًا بين كاتبين: عن النقد، عن الكتابة، عن تلك المسافة الصعبة بين الفكرة ونصّها. اكتشفت أن المنسف، مثل النقد الجيد، لا يقبل أنصاف الحلول؛ إما أن يُقدَّم كاملًا أو لا يُقدَّم.

​من تلك الوجبة، بدأت أفهم عمّان، مدينة تُفهم "دحبرها دحبرها"، طبقة بعد طبقة، كما يُؤكل المنسف: لا تُدرك نكهته من أول لقمة، بل من الصبر على الطهو، من المزج بين ما هو ظاهر وما هو مستتر، إنها مدينة لا تُغريك فورًا، لكنها تُربكك إنسانيًا، ثم تمكث فيك طويلًا.

​عمّان مدينة التراكم بلا مركز واحد، بلا قلب واضح، لكنها تملك قلوبًا صغيرة موزعة على الجبال. كل جبل حكاية اجتماعية: جبل يفيض بالذاكرة الفلسطينية، وآخر يحمل ثقل العشائر، وثالث يحتضن طبقة وسطى تحاول التوازن بين القيم والضغوط.

​هذا التوزيع ليس عشوائيًا، بل انعكاس صادق لتاريخ المدينة كملاذ قبل أن تكون عاصمة، أنت تمشي في عمّان، لكنك تمشي فوق طبقات من التاريخ لم تُدفن بعد.

ترى ذلك بوضوح في قلبها: المدرج الروماني يقف بكل شموخه، رافضاً أن يكون مجرد أثر قديم. إنه قطعة من "فيلادلفيا" القديمة  الاسم الروماني لعمّان ومركز حيوي لـ"عمّان" الحديثة في آن واحد، تجد شباباً يلتقطون صورهم على أدراجه، أو شيخاً يتخذ من ظله استراحة بعد يوم عمل. هذا التداخل بين القديم والحديث، بين الركن الروماني المتقن وفوضى السوق الشعبي المبهجة، هو الروح الحقيقية للمدينة.

​عمّان مدينة التعايش الصامت لا تستعرض تنوعها، لا تتباهى به، بل تمارسه يوميًا دون ضجيج، في أتوبيس واحد قد تجلس بجوار موظف حكومي، ولاجئ، وطالب جامعة، وامرأة تحمل كيس خضار وتفكر في الغد، لا أحد يسأل الآخر من.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الدستور الأردنية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الدستور الأردنية

منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ 5 ساعات
منذ ساعتين
منذ 3 ساعات
منذ 4 ساعات
صحيفة الرأي الأردنية منذ 18 ساعة
صحيفة الغد الأردنية منذ 4 ساعات
خبرني منذ 4 ساعات
وكالة أنباء سرايا الإخباريه منذ 6 ساعات
رؤيا الإخباري منذ 8 ساعات
خبرني منذ 22 ساعة
رؤيا الإخباري منذ 4 ساعات
قناة المملكة منذ 6 ساعات