رئيس مركز العرب للرصد والتحليل
المارقون ليسوا حدثاً عابراً في تاريخ الأوطان، بل ظاهرة تتكرر كلما ضعفت المناعة الأخلاقية، وكلما اختلطت الشعارات بالضغائن، وكلما صار الصوت أعلى من المعنى!.
هم أولئك الذين يقفون في المسافة الرمادية بين الخيانة الصريحة والحياد الكاذب، يتغذّون على الشقاق، ويقتاتون على انكسارات المجتمعات، ويجيدون التسلّل من ثغرات التعب والخذلان، لا يدخلون من بوابة العدو، بل من باب (النصيحة المخادعة)، ولا يرفعون راية السلاح ابتداءً، بل راية (الوعي المزيّف)، حتى إذا اكتملت الفتنة، ظهر الإرهاب بوجهه الكامل، كأنه نتيجة طبيعية لما زرعوه طويلاً.
المارقون لا يحبّون الأوطان، لكنهم يحسنون تقمّص لغتها، يتحدّثون باسم الحرية وهم أوّل من يقتل معناها، يرفعون راية المواطنة وهم يلوّثون جذورها، يصرخون بالكرامة وهم يختصرونها في كراهية الآخر، يشيعون فكرة أن الوطن مجرّد مشروع قابل للتفكيك وأن الدولة مجرّد اتفاق مؤقّت وأن الدم يمكن أن يكون وسيلةً مشروعة لإعادة تعريف الهوية. هكذا، يصبح التفجير خطاباً، والاغتيال رأياً، والترويع ضرورة تاريخية!.
في أسلوبهم شيء من الحيلة وشيء من الجبن. لا يواجهون الحقيقة مباشرة، بل يلتفون حولها بسلسلة من الأسئلة المسمومة. يشكّكون في كل ثابت، لا لأنهم عقلانيون، بل لأنهم لا يحتملون وجود مرجعية أعلى من أهوائهم. يخاصمون الجيش لأنه رمز السيادة، ويهاجمون المؤسسات لأنها دليل النظام، ويزدَرون القانون لأنه يقف ضد شهوة الفوضى. هم لا يعارضون من أجل التصحيح، بل يهدمون من أجل الفراغ، لأن الفراغ هو البيئة المثالية التي ينمو فيها الإرهاب.
المارقون يتغذّون على الانقسام، ويصنعون منه عقيدة. يبدؤون بتفكيك اللغة المشتركة، ثم الذاكرة المشتركة، ثم المصير المشترك. يعلّمون الناس أن يكرهوا بعضهم قبل أن يكرهوا عدوهم، وأن يشكّوا في جنديهم قبل أن يشكّوا في قاتلهم، وأن يساووا بين الدولة والعصابة باسم التوازن في قاموسهم، لا توجد خيانة، بل اختلاف وجهات نظر ولا يوجد إرهاب، بل غضب مشروع ولا توجد.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوئام
