لماذا يجب عدم السماح بتفكّك اليمن؟

لم يعد السؤال عن مستقبل اليمن ترفاً سياسياً أو انشغالاً محلياً يمكن تأجيله. فاليمن اليوم يقف على حافة تشظٍّ عميق، لا تنحصر تداعياته داخل حدوده، ولا يمكن احتواؤها في إطار أزمة داخلية قابلة للإدارة. فالدول لا تتفكّك في فراغ، ولا تسقط داخل جغرافيتها فحسب؛ بل تفتح، لحظة انهيارها، بوابات واسعة للفوضى تتجاوز حدودها، وتفرض على الآخرين مواجهة ارتداداتها قبل التفكير في معالجة جذورها. واليمن، على وجه الخصوص، ليس بلداً يمكن تركه للانهيار الصامت، لأنّ شظايا سقوطه لن تبقى محلية، بل ستمتدّ إلى الإقليم والعالم.

يطلّ اليمن على أحد أهم الممرات البحرية في العالم، ويتحكّم بجزء حيوي من أمن البحر الأحمر وباب المندب، الذي يمرّ عبره ما يقارب 10 12% من التجارة البحرية الدولية. ويجاور في الوقت نفسه أكبر الاقتصادات النفطية، ويقع في تماسٍ مباشر مع القرن الأفريقي المُضطرب. غير أنّ اختزال اليمن في موقعه الجغرافي وحده يُسطّح المشهد ويُفرّغه من تعقيداته الجوهرية؛ فاليمن ليس "نقطة عبور" فحسب، بل مجتمع كثيف السكان، متنوّع التركيبة، تتقاطع فيه القبيلة والمدينة، والتاريخ والأيديولوجيا، والدولة وما قبل الدولة. وحين يختل هذا التوازن الهشّ، لا يمرّ التفكّك حادثةً هامشيةً، بل يتحوّل إلى زلزال جيوسياسي تتجاوز ارتداداته حدود اليمن.

تفكّك الدولة اليمنية لا يعني مجرّد تعدّد سلطات محلية أو تقاسم جغرافي للنفوذ، بل يعني انهيار كتلة سكانية كبيرة في قلب المجال العربي والخليجي وعلى تخوم البحر الأحمر. وعندما يسقط بلد بهذا الوزن، لا يسقط وحده، بل يسحب معه محيطه. يكفي أن تتوقّف السلطة عن ضبط السواحل والموانئ حتى يصبح البحر مفتوحاً أمام جماعات صغيرة غير نظامية، قادرة على تعطيل الملاحة وتهديد شريان التجارة الدولية بأدوات بسيطة وكلفة محدودة. ويكفي أن تتهاوى المؤسّسات الرسمية حتى يولد اقتصاد حرب موازٍ، يربط اليمن بشبكات تهريب تمتد من القرن الأفريقي إلى الخليج، ومن البحر إلى الصحراء، في دائرة يصعب كسرها إذا ترسّخت.

غير أنّ الخطر الأعمق لا يكمن في البحر، ولا في الجغرافيا وحدها، بل في الإنسان اليمني حين يُدفع قسراً إلى حافة اليأس. فاليمن اليوم بلد شديد الفتوة سكانياً؛ إذ تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن نحو 41% من السكان دون سن الخامسة عشرة، فيما لا يتجاوز العمر الوسيط 18عاماً. وهذا يعني أنّ المجتمع اليمني، في غالبيته، مجتمع شباب وأطفال، يعيشون في بلد تتآكل فيه فرص التعليم والعمل، وتغيب فيه الدولة عن حياة مواطنيها. في مثل هذا السياق، لا يعود الوطن إطاراً حاضناً، بل فكرة هشّة مُعلّقة على وعود مؤجّلة. وعندما يغيب الأمل، لا يولد التطرّف من النصوص أو المُعتقدات، بل من الخيبة، ومن الفراغ الذي يخلّفه فساد السياسة وغياب العدالة وانسداد الأفق؛ فراغٌ يتحوّل تدريجياً إلى إحباط جماعي، تُعاد فيه صياغة علاقة الفرد بالمجتمع والدولة على أساس النجاة الشخصية لا الانتماء، والبحث عن المعنى خارج المؤسّسات لا داخلها. ومع تراكم هذا الإحباط، تتآكل الثقة بكلّ ما هو عام: بالقانون، وبفكرة الدولة، وبجدوى التعليم، وبالمستقبل ذاته، ليصبح العنف، بأشكاله المختلفة، لغة تعبير عن شعور طويل بالخذلان، لا خياراً أيديولوجياً واعياً بقدر ما هو صرخة جيل يشعر أنه وُلِد في زمنٍ بلا أبواب.

وحين يُغلق الأفق داخل الوطن، يصبح الخروج منه فعل نجاة. وفي هذا المناخ تحديداً، وحين تتآكل الدولة على هذا النحو، لا يبقى الإنسان خارج المعادلة، بل يصبح ضحيتها الأولى......

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من مأرب برس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من مأرب برس

منذ 11 ساعة
منذ 10 ساعات
قناة عدن المستقلة منذ 9 ساعات
صحيفة عدن الغد منذ 7 ساعات
قناة عدن المستقلة منذ 12 ساعة
صحيفة عدن الغد منذ 19 ساعة
صحيفة عدن الغد منذ 15 ساعة
مأرب برس منذ 15 ساعة
قناة عدن المستقلة منذ 9 ساعات
عدن تايم منذ 11 ساعة