في مطبخ صغير بمدينة بنغالورو، لم يكن الذكاء الاصطناعي مجرد أداة عمل متقدمة، بل تحول إلى شريك يومي في إدارة الحياة. حين شعرت بريانشي دوربها، البالغة 37 عاماً، بالإرهاق من التفكير المتواصل في قوائم التسوق والوجبات المناسبة لزوج عدّاء وطفل انتقائي، لجأت إلى تشات جي بي تي.

كانت دقائق قليلة كافية لتحصل على جدول منظم للفطور والغداء والعشاء، علّقته على باب الثلاجة، وتقول مبتسمة إنها شعرت حينها بأنها قادرة على السيطرة على العالم.

يلخص هذا المشهد البسيط تحولاً أوسع في الهند، إذ يتسارع استخدام الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، ليس في المكاتب فقط، بل داخل البيوت أيضاً. الهند والذكاء الاصطناعي.. ريادة تتجاوز العمل باتت الهند من أسرع دول العالم تبنياً للذكاء الاصطناعي. وفقاً لمؤشر اتجاهات العمل الصادر عن مايكروسوفت ولينكدإن لعام 2024، يستخدم 92% من العاملين المهرة في البلاد أدوات الذكاء الاصطناعي في وظائفهم، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 75%.

كما تُعد الهند ثاني أكبر سوق لأوبن إيه آي بعد الولايات المتحدة، بحسب تصريحات سابقة لرئيسها التنفيذي سام ألتمان.

لكن اللافت أن هذا الانتشار لم يعد محصوراً في الإنتاجية المهنية، بل بدأ يعيد تشكيل الحياة اليومية للنساء العاملات في المدن، وخصوصاً من يتحملن العبء الأكبر من العمل المنزلي والرعاية الأسرية. حين يصبح الذكاء الاصطناعي حملاً ذهنياً أقل في مومباي، تصف ستوتي أغاروال، وهي صانعة محتوى وأم لطفلين، الضغط الذهني بأنه يشبه فتح عشرات النوافذ في المتصفح في وقت واحد. وفر الذكاء الاصطناعي، بالنسبة لها، وسيلة لتجميع القرارات في لحظة واحدة، وهي تلخيص تعميم مدرسي، صياغة رسالة مهذبة لمعلم، أو تحويل قائمة مشتريات إلى خطة وجبات متكاملة بضغطة زر.

تقول الباحثة بايال أرورا، المتخصصة في ثقافات التكنولوجيا الرقمية، إن هذه الأدوات لم تعد مجرد وسائل راحة، بل أصبحت رفقاء يوميين؛ فهي تساعد النساء على الاستمرار في نظام اجتماعي لا يزال يتوقع منهن التوفيق بين العمل والأسرة والأقارب دون أي هامش للخطأ أو التعب. استخدامات تتجاوز المطبخ في مدينة لكناو شمالي الهند، تستخدم المصورة المتخصصة في تصوير الأمهات والأطفال غالاكسي أرورا سيث أدوات الذكاء الاصطناعي لتخطيط أنشطة مناسبة لعمر طفلها، وصياغة أفكار محتوى تجاري، وضبط وجبات متوازنة لطفلها الصغير. تقول إن استخدام هذه الأدوات جعلها أكثر هدوءاً وإبداعاً، وأشعرها بسيطرة أكبر على وقتها.

ورغم عدم توفر بيانات رسمية ترصد هذا التوجه داخل المنازل، فإن خبراء يرون أن الذكاء الاصطناعي يملأ فراغاً تركته السياسات العامة والأعراف الاجتماعية، خصوصاً في ما يتعلق بتوزيع أعباء الرعاية والعمل غير المدفوع. الفوائد النفسية وحدود الثقافة من الناحية النفسية، ترى مختصة الإرشاد النفسي ديفيجا بهاسين أن تفويض المهام الذهنية البسيطة يخفف التراكم اليومي للضغط، ويوفر وقتاً وطاقة ترتبط بتحسن الصحة النفسية للنساء. لكن هذه الأدوات لا تخلو من القيود، فالثقافة والتقاليد المحلية، خاصة في بلد متنوع مثل الهند، لا تزال تحدياً أمام النماذج الذكية. تتذكر دوربها نفسها كيف طلبت وصفات باستخدام خيار متبقٍ، فجاءها اقتراح بسلسلة من السلطات التي لا تنتمي إلى مطبخها المنزلي، تقول إن طبق والدتها التقليدي كان سيخطر ببالها فوراً لولا اعتمادها على الذكاء الاصطناعي.

حتى أوبن إيه آي أقرت في تقييم سابق بأن نماذجها، رغم تقدمها، لا تزال بحاجة إلى تحسين في ما يتعلق بالفهم الثقافي واللغوي داخل الهند. مخاوف الخصوصية في المساحة المنزلية إلى جانب الفوائد، تبرز تساؤلات حول الخصوصية، فبعض النساء يستخدمن روبوتات الدردشة بطريقة أقرب إلى الدعم النفسي، ويشاركن تفاصيل دقيقة عن الأطفال والروتين اليومي والصحة. ورغم أن قانون حماية البيانات الشخصية الرقمية في الهند لعام 2023 يمنح الأفراد حقوقاً واسعة، فإن تطبيق هذه الحقوق داخل النماذج الذكية يظل معقداً.

يحذر خبراء قانونيون من أن إدخال أسماء الأطفال أو بياناتهم الصحية قد يفتح باباً لمخاطر يصعب التراجع عنها لاحقاً. بين الحذر والفضول في المحصلة، لا يتعلق النقاش برفض الذكاء الاصطناعي أو تبنيه بلا تحفظ، بل بإيجاد توازن واعٍ. فالتقليل من قيمته في حياة هؤلاء النساء، أو التركيز فقط على مخاطره، قد يغفل حقيقة أنه أصبح أداة يومية لإعادة توزيع الوقت والطاقة في مجتمع لا يزال يحمّل النساء العبء الأكبر بصمت.

(رويترز)

هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية