لم يعد ازدهار إقليم كردستان يُقرأ بوصفه «استثناءً» داخل العراق، بقدر ما يُقرأ بوصفه اختباراً لمعنى الإدارة حين تتحول من خطاب إلى أثرٍ يوميٍّ ملموس، لذلك تبدو مقولة - إن أغلبية العراقيين مع ازدهار الإقليم - توصيفاً سياسيّاً-اجتماعيّاً؛ فالعراقي الذي أنهكته أزمات الخدمات والبطالة والفساد لا يرى في تجربة كردستان خصماً، بل يرى فيها جزءاً حيّاً من حلمٍ مؤجل بوطنٍ محترم تُقاس فيه هيبة الدولة بما تقدمه إلى الناس، لا بما ترفعه من شعارات.
دخل الإقليم مرحلة ما بعد 2003 وهو يحمل إرثاً ثقيلاً من سنوات الحصار وضعف البنى التحتية، غير أن العقدَين الماضيَين أفرزا، بدرجات متفاوتة، مساراً إدارياً يقوم على الاستثمار في الاستقرار والخدمة، وتوسيع التعليم والصحة والإسكان والطرق، وربط الأمن بمنطق المؤسسة، وتظهر الفوارق حين تُقرأ بالأرقام لا بالانطباعات، ففي نتائج المسح الأسري الأخير (2023-2024) تَبيّن أن الفقر في الإقليم عند 8.6 في المائة، مقابل 13.5 في المائة ببغداد، و21.5 في المائة ببقية المحافظات الاتحادية، هذه المقارنة لا تلغي الاختلافات داخل كل منطقة، لكنها تُظهر اتجاهاً عاماً: الإدارة تصنع فارقاً حين تُدار الموارد بوصفها خدمة لا غنيمة. وفي المقابل، تبدو أزمة محافظات خارج الإقليم أزمة إدارة قبل أن تكون أزمة موارد، فعلى الرغم من الإنفاق العام الكبير، تعاني أجزاء واسعة من البلاد تراجعاً في الخدمات الأساسية وتدهوراً في الصحة والتعليم وتآكلاً في الأمن الاجتماعي، وفي بيئة مثل هذه يتصدر الفساد المشهد بوصفه «اقتصاداً موازياً» يلتهم فرص الدولة، وفي مؤشر دولي لعام 2024، جاءت نتيجة العراق 26 من 100، وفي مرتبة متأخرة عالمياً، وهو ما يفسّر كيف تتحول الموازنات في كثير من الأحيان إلى شبكات مصالح أكثر من كونها برامج لخدمة المواطن.
ويتجلَّى الاختلال في الأمن المجتمعي أيضاً، ففي 2024 أعلنت الجهات المعنية اعتقال 14 ألفاً و438 متهماً بجرائم مخدرات، مع مصادرة أكثر من 6 أطنان من المواد المخدرة، وتضخم هذه الأرقام لا يعكس أزمة جنائية فحسب، بل هشاشة رقابية وحدودية في بيئات تتعدد فيها مراكز القوة وتضعف فيها قدرة الدولة على الوقاية والمعالجة، فيصبح المواطن بين اقتصاد رسمي عاجز واقتصاد موازٍ يتغذّى من الفوضى.
غير أنَّ الفارقَ بين «البناء» و«التَّخريب» لا يظهر في المؤشرات الاجتماعية وحدها، بل في طبيعة الصّراع السياسي على نموذج الدولة، فكلما تقدّم الإقليم في مشروعات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الشرق الأوسط
