الرياضة كقوة ناعمة في إفريقيا: كرة القدم نموذجًا

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في لحظة إفريقية فارقة، يستعد المغرب لاحتضان كأس إفريقيا للأمم، ليس فقط كحدث رياضي جامع، بل كمنصة استراتيجية تعكس التحولات العميقة في توظيف الرياضة كقوة ناعمة داخل القارة. فبعيدًا عن المستطيل الأخضر، أصبحت كرة القدم أداة تأثير سياسي وثقافي واقتصادي، قادرة على إعادة تشكيل صورة الدول، وبناء الجسور بين الشعوب، وتعزيز الحضور الإقليمي والدولي.

كرة القدم: اللغة الإفريقية المشتركة

تُعد كرة القدم في إفريقيا أكثر من مجرد لعبة؛ إنها لغة مشتركة تتجاوز الحدود واللغات والانتماءات. في قارة شابة، ذات تنوع إثني وثقافي واسع، لعبت الكرة دورًا توحيديًا نادرًا، حيث تلتقي الجماهير حول حلم واحد، وتُصاغ الذاكرة الجماعية عبر الانتصارات والإخفاقات. هذا البعد الرمزي جعل منها وسيلة فعالة للتأثير الوجداني، وهو جوهر مفهوم القوة الناعمة كما صاغه جوزيف ناي: القدرة على الجذب والإقناع بدل الإكراه.

المغرب وتنظيم كأس إفريقيا: دبلوماسية الملاعب

يمثل تنظيم المغرب لكأس إفريقيا للأمم تتويجًا لاستراتيجية طويلة المدى في الاستثمار الرياضي. فمن تطوير البنية التحتية، إلى تكوين الكفاءات، وصولًا إلى الحضور المتزايد في الهيئات القارية والدولية، نجح المغرب في جعل الرياضة رافعة للدبلوماسية الموازية. فالملاعب الحديثة، وشبكات النقل، والتنظيم المحكم، ليست مجرد تجهيزات تقنية، بل رسائل سياسية ناعمة تعكس الاستقرار والكفاءة والانفتاح.

كما أن استضافة تظاهرة قارية بهذا الحجم تتيح للمغرب إعادة تقديم نفسه كجسر بين إفريقيا وأوروبا، وكمحور لوجستي ورياضي قادر على احتضان الأحداث الكبرى. وهو ما يعزز مكانته داخل القارة، ويقوي شراكاته جنوب جنوب، ويمنح حضوره الإفريقي بعدًا عمليًا ملموسًا.

الاقتصاد الرياضي: من الفرجة إلى التنمية

لا تقتصر القوة الناعمة لكرة القدم على الرمزية وحدها، بل تمتد إلى الاقتصاد. فكأس إفريقيا للأمم تحرك قطاعات السياحة، والخدمات، والإعلام، وتخلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة. وفي السياق الإفريقي، حيث تبحث الدول عن نماذج تنموية مبتكرة، تبرز الرياضة كصناعة واعدة قادرة على جذب الاستثمار وتحسين صورة الأسواق المحلية.

بالنسبة للمغرب، يشكل الحدث فرصة لتسويق الوجهة السياحية، وإبراز التنوع الثقافي، وربط الرياضة بالتراث والضيافة. وهو رهان يتجاوز أسابيع البطولة ليؤسس لاستدامة اقتصادية قائمة على العلامة الرياضية للبلاد.

كرة القدم والهوية الإفريقية

على المستوى القاري، تساهم البطولات الكبرى في إعادة بناء الثقة بالذات الإفريقية. فنجاحات المنتخبات الإفريقية عالميًا، واحتراف اللاعبين في أكبر الدوريات، وتنظيم المنافسات وفق معايير دولية، كلها عناصر تُساهم في تفكيك الصور النمطية السلبية، وتقديم إفريقيا كقارة قادرة على التنظيم والإبداع والمنافسة.

وفي هذا الإطار، يصبح كأس إفريقيا للأمم فضاءً للاحتفاء بالهوية الإفريقية المتعددة، حيث تتقاطع الموسيقى، والأزياء، واللغات، والقصص الإنسانية، في مشهد ثقافي جامع، تعززه كرة القدم بوصفها حاملًا رمزيًا قويًا.

رهانات ما بعد البطولة

غير أن نجاح القوة الناعمة لا يُقاس فقط بسلامة التنظيم أو جمال الافتتاح، بل بمدى القدرة على استثمار الزخم بعد إسدال الستار. فالتحدي الحقيقي يكمن في تحويل الحدث إلى رافعة مستدامة: تطوير كرة القدم المحلية، دعم التكوين القاعدي، إشراك الشباب، وتعزيز الحكامة الرياضية على المستوى القاري.

كما أن على الاتحاد الإفريقي والدول المنظمة التفكير في كيفية جعل كرة القدم أداة للتنمية الاجتماعية، ومجالًا لنشر قيم النزاهة والمساواة، ومحاربة الإقصاء والعنف، حتى تظل القوة الناعمة أخلاقية بقدر ما هي فعالة.

خاتمة

في ضوء تنظيم كأس إفريقيا للأمم بالمغرب، يتأكد أن كرة القدم لم تعد مجرد منافسة رياضية، بل أصبحت أداة استراتيجية في معركة الصورة والتأثير. إنها قوة ناعمة إفريقية بامتياز، قادرة على توحيد القارة، وتعزيز حضورها العالمي، وبناء مستقبل يتقاطع فيه الشغف الرياضي مع الرهان التنموي. ومن الرباط إلى كيب تاون، تظل الكرة المستديرة أحد أقوى سفراء إفريقيا إلى العالم.


هذا المحتوى مقدم من جريدة أكادير24

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جريدة أكادير24

منذ 3 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ 5 ساعات
أشطاري 24 منذ 8 ساعات
هسبريس منذ 3 ساعات
هسبريس منذ 21 ساعة
هسبريس منذ ساعتين
هسبريس منذ 4 ساعات
موقع طنجة نيوز منذ 3 ساعات
2M.ma منذ 21 ساعة
هسبريس منذ ساعتين