خطر لا يُرى بالقوائم المالية.. تحليل لـ عراق اوبزيرفر يكشف كيف تفكك القروض المتعثرة المصارف العراقية

لم يعد انهيار المصارف في العالم الحديث حدثاً مفاجئاً أو نتيجة عامل واحد ظاهر للعيان، بل حصيلة تراكمات خفية تتشكل داخل الميزانيات العمومية بعيداً عن عناوين الأرباح ونمو الموجودات. ففي الوقت الذي ينشغل فيه كثير من المساهمين والمتابعين بحجم الأصول وقيمتها الدفترية، تكشف التجارب المصرفية العالمية، ومعايير بازل الدولية، أن الخطر الحقيقي غالباً ما ينمو في الظل داخل محافظ القروض والتعهدات الائتمانية.

وفي بيئة مصرفية حساسة كالعراق، تصبح قراءة المخاطر الائتمانية لا ترفاً تحليلياً بل ضرورة وجودية لفهم مستقبل المصارف واستقرار أموال المودعين.

وفي هذا الصدد، حذر الخبير الاقتصادي والباحث والمصرفي سيف الحلفي من التركيز الخاطئ على انخفاض قيمة الموجودات بوصفه الخطر الأكبر الذي يهدد المصارف، مؤكداً أن التجارب العالمية ومعايير بازل 1 و2 و3 تثبت أن مخاطر الائتمان والديون المتعثرة (NPL) تمثل التهديد الحقيقي لاستقرار القطاع المصرفي .

وقال الحلفي، في تصريح خاص لـ عراق اوبزيرفر ، إن المساهم الذكي يجب أن يمتلك القدرة على قراءة الميزانية العامة للمصرف والموازنة التخمينية المستقبلية، مع فهم دقيق للمصطلحات المحاسبية التي ترد في القوائم المالية، لافتاً إلى أن انخفاض قيمة الموجودات لا يؤدي غالباً إلى نزف نقدي مباشر أو سحوبات فورية من قبل المودعين .

وأوضح أن مخاطر انخفاض قيمة الموجودات تشمل العقارات والاستثمارات والموجودات الثابتة والأوراق المالية، مبيناً أن هذا النوع من الانخفاض يكون في الغالب محاسبياً وغير نقدي ويمكن امتصاصه عبر إعادة التقييم، والتحكم بالمخصصات، وزيادة الاحتياطيات، ما يجعل هذا الخطر متوسطاً وقابلاً للإدارة إذا ما التزم المصرف بالتحفظ المصرفي ومعايير بازل .

وأشار الحلفي إلى أن الموجودات تصبح خطرة فعلياً عندما تكون وهمية أو غير سائلة أو مبالغاً في تقييمها، أو حين تستخدم كضمانات لقروض ثم تنهار قيمتها، مؤكداً أن هذه الحالات هي الاستثناء وليست القاعدة في المصارف المنضبطة .

وفي المقابل، شدد على أن مخاطر القروض والتعهدات الائتمانية تمثل الخطر الأكبر، كونها تضرب رأس المال مباشرة وقد تمتد إلى الاحتياطيات وحتى ودائع المودعين. وتشمل هذه المخاطر القروض المباشرة، والتسهيلات المصرفية، والسحب على المكشوف، ودعم البطاقات الإلكترونية، إضافة إلى خطابات الضمان والاعتمادات المستندية .

وبيّن أن تعثر السداد يحول هذه القروض فوراً إلى ديون متعثرة وخسائر فعلية، ما يفرض على المصارف، وفق تعليمات البنوك المركزية العالمية، تكوين مخصصات مالية كبيرة تستنزف الأرباح، وقد تجبر المصرف على ضخ رأس مال جديد عبر الاكتتاب أو تحويل الأرباح إلى أسهم مجانية أو اللجوء إلى الخيارين معاً .

وأكد الحلفي أن أخطر أشكال الإقراض تتمثل في القروض الكبيرة المركزة، والإقراض القائم على العلاقات الشخصية لا على الجدوى الاقتصادية والتقييم الائتماني، فضلاً عن ضعف الضمانات والتوسع الائتماني غير المدروس دون تسعير حقيقي للمخاطر السياسية والاقتصادية .

وأوضح أن جميع الأزمات المصرفية الكبرى في العالم، وكذلك الأزمات التي شهدها القطاع المصرفي في العراق، انطلقت من بوابة القروض المتعثرة وسوء إدارة الائتمان، وليس من انخفاض قيمة الموجودات.

وفي ما يخص الواقع العراقي، أشار الحلفي إلى أن الخطر الائتماني يتضاعف بسبب ضعف القضاء التجاري، وتقادم قانون التسجيل العقاري، وبطء إجراءات بيع العقارات في المزادات العلنية، إضافة إلى غياب شركات متخصصة في تحصيل القروض أو شراء الديون المتعثرة، كما هو معمول به في الولايات المتحدة.

وختم الحلفي بالقول إن المصرف قد يتمكن من النجاة من انخفاض قيمة موجوداته، لكنه قد ينهار بالكامل عند تعثر قروضه، مؤكداً أن الائتمان غير المنضبط يظل العدو الأول للاستقرار المصرفي.

بالمحصلة، في المشهد المصرفي العراقي، لا يمكن فهم متانة أي مصرف من خلال حجم مبانيه أو قيمة استثماراته المعلنة فقط، بل من خلال ما تختزنه دفاتره من قروض وتعهدات ائتمانية قد تتحول في لحظة اضطراب إلى عبء يلتهم رأس المال ويقوّض الثقة.

ومن هنا، يصبح الإصلاح الحقيقي للقطاع المصرفي مرهوناً بإعادة ضبط فلسفة الإقراض، وتعزيز الحوكمة، وتطوير البيئة القانونية، لأن إنقاذ المصارف في العراق يبدأ من ضبط الائتمان قبل أي شيء


هذا المحتوى مقدم من عراق أوبزيرڤر

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من عراق أوبزيرڤر

منذ ساعة
منذ 3 ساعات
منذ ساعتين
منذ 4 ساعات
منذ ساعة
منذ 4 ساعات
قناة السومرية منذ 5 ساعات
قناة التغيير الفضائية منذ 30 دقيقة
وكالة السداد الاخبارية منذ ساعتين
موقع رووداو منذ 13 ساعة
قناة السومرية منذ ساعة
موقع رووداو منذ 11 ساعة
قناة السومرية منذ 5 ساعات
قناة السومرية منذ 6 ساعات