لم تعد قراءة الاقتصاد حكراً على الجداول والمؤشرات الرقمية المعقدة، بل اتجه الخبراء والمؤسسات الدولية إلى استخدام أدوات بصرية ومفاهيم رمزية لتبسيط المشهد الاقتصادي وتفسير التحولات الكبرى، ومن أبرز هذه الأدوات ما يُعرف بـ"ألوان الاقتصاد" و"اقتصاد الحروف"، وهما إطاران تحليليان يساعدان صناع القرار والمستثمرين والجمهور على فهم طبيعة الأنشطة الاقتصادية ومسارات التعافي أو الانكماش بعد الصدمات. ألوان الاقتصاد.. دلالات الموارد والأنماط تعكس ألوان الاقتصاد طبيعة الموارد التي يعتمد عليها النشاط الاقتصادي، ومدى رسميته أو استدامته، وتأثيره الاجتماعي والبيئي.
الاقتصاد الرمادي (Gray Economy) يُعرف باقتصاد الظل، ويشمل أنشطة قانونية تُمارس خارج الإطار الرسمي للدولة، غالباً للتهرب الضريبي أو من الالتزامات الاجتماعية، لا يدخل هذا الاقتصاد في الحسابات القومية، ما يجعله عامل تشويه للبيانات الاقتصادية الرسمية.
الاقتصاد الأسود (Black Economy) هو الاقتصاد غير المشروع، ويضم السوق السوداء والأنشطة المحظورة مثل التهريب وغسل الأموال والاتجار غير القانوني.
ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي، قد يصل حجم هذا الاقتصاد في بعض الدول النامية إلى أكثر من ثلث الناتج المحلي، ما يشكل تهديداً مباشراً للاستقرار المالي.
الاقتصاد الفضي (Silver Economy) هو نمط اقتصادي يركّز على الأنشطة والسلع والخدمات الموجّهة لكبار السن، عادةً من هم فوق 60 أو 65 عاماً، مستفيداً من تزايد متوسط العمر وارتفاع نسبة الشيخوخة السكانية في كثير من دول العالم.
وتشير دراسات إلى أن الشيخوخة السكانية في أوروبا ستجعل هذه الفئة محركاً رئيسياً للاستهلاك والنمو خلال العقود المقبلة.
الاقتصاد الأحمر (Red Economy) هو نمط اقتصادي يرتبط بحالات الصراع والحروب والتوترات الجيوسياسية، حيث تُوجَّه الموارد والاستثمارات نحو الصناعات العسكرية والدفاعية، والإنفاق الأمني، والخدمات اللوجستية المرتبطة بالنزاعات، إضافة إلى أنشطة إعادة الإعمار بعد الحروب، ويُعد اقتصاداً ظرفياً ينمو في بيئات عدم الاستقرار، وقد يحقق نشاطاً اقتصادي اً قصير الأجل، لكنه غالباً ما يأتي على حساب التنمية المستدامة واستنزاف الموارد العامة ورأس المال البشري.
الاقتصاد الأبيض المسطح (Flat White Economy) نمط اقتصادي يقوم على الشفافية الكاملة والمشروعية التامة، حيث تُدار جميع الأنشطة الاقتصادية داخل الإطار القانوني والرقابي للدولة، وتُسجَّل المعاملات بدقة في الإحصاءات الرسمية دون تهرب ضريبي أو تشويه للبيانات، فهو يعتمد على استخدام التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني في تعظيم موارده وإنتاجيته.
ويعكس هذا الاقتصاد بيئة مستقرة تتسم بتكافؤ الفرص، وعدالة المنافسة، ووضوح القواعد، بما يعزز الثقة بين الدولة والقطاع الخاص والمستثمرين، ويدعم النمو المستدام طويل الأجل.
وقد تناول هذا المفهوم الكاتب الاقتصادي البريطاني دوغلاس ماكويليامز Douglas McWilliams، مشيراً إلى أن تكتل الأنشطة الرقمية يولّد بيئات اقتصادية محلية نشطة تقوم على التنافس والابتكار.
الاقتصاد البني (Brown Economy) هو نمط اقتصادي يعتمد بشكل أساسي على الوقود الأحفوري والصناعات كثيفة التلوث مثل النفط والفحم والغاز والصناعات الثقيلة، ويقوم على تحقيق النمو من خلال استنزاف الموارد الطبيعية وارتفاع الانبعاثات الكربونية.
ويُعد هذا الاقتصاد تقليدياً وغير مستدام بيئياً، إذ يسهم في تفاقم تغيّر المناخ وتدهور النظم البيئية، ما يجعله في مواجهة مباشرة مع التحولات العالمية نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة.
الاقتصاد الأخضر (Green Economy) هو نقيض الاقتصاد البني، ويهدف إلى تحقيق النمو والتنمية مع الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة والموارد، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وتشجيع الإنتاج والاستهلاك المستدامين.
ويسعى هذا الاقتصاد إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة والعدالة الاجتماعية، بما يدعم التنمية المستدامة على المدى الطويل.
الاقتصاد الأزرق (Blue Economy) يركز على الاستخدام المستدام للموارد المائية، من الصيد والسياحة البحرية إلى التعدين البحري، ويضم أيضاً مجالات الاستفادة من أنشطة التعدين في البحار والمحيطات لاستخراج المواد الخام مثل النفط والغاز، وأيضاً أنشطة السياحة البحرية وصيد الأسماك.
وتقدّر الأمم المتحدة حجم اقتصاد المحيطات بين 3 و6 تريليونات دولار سنوياً، ما يجعله ركيزة أساسية للأمن الغذائي والنمو العالمي.
الاقتصاد البنفسجي (Purple Economy) مفهوم إنساني ظهر في فرنسا عام 2011 عبر صحيفة (Le Monde)، ويدمج البعد الثقافي والإنساني في عملية التنمية الاقتصادية، ويركّز على تعظيم القيمة المضافة للثقافة، والهوية، والإبداع، والتراث، والفنون، والصناعات الثقافية والإبداعية ضمن السياسات الاقتصادية.
ويهدف هذا الاقتصاد إلى تحقيق نمو مستدام لا يقوم فقط على الربح، بل على تعزيز التنوع الثقافي، وتحسين جودة الحياة، وبناء مجتمعات أكثر تماسكاً، مع اعتبار الثقافة أصلاً اقتصادياً واستثمارياً طويل الأجل.
الاقتصاد الأصفر (Yellow Economy) هو اقتصاد يعتمد على دراسة الطاقة الشمسية باعتبارها الوسيلة الأفضل لتوليد الطاقة، فهي مصدر آمن ومجاني وغير محدود للطاقة، ويمكنها النفاذ إلى المناطق النائية، كما يمكن الاستفادة منها لتحقيق التنمية المستدامة؛ حيث يساعد استخدام الطاقة الشمسية على خفض نسبة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومواجهة التغير المناخي.
حروف الاقتصاد.. خرائط التعافي بعد الأزمات إلى جانب الألوان، يستخدم الاقتصاديون "اقتصاد الحروف" لوصف مسار الناتج المحلي الإجمالي عقب الأزمات، وهي مصطلحات ترسخت منذ سبعينيات القرن الماضي في تقارير المؤسسات الدولية.
تعافٍ على شكل (V) هبوط حاد يعقبه انتعاش سريع وقوي، وغالباً ما يحدث عندما تكون أسباب الركود مؤقتة، ويُعد السيناريو الأكثر تفاؤلاً.
تعافٍ على شكل (U) ركود أطول زمناً، يمكث فيه الاقتصاد عند القاع قبل أن يبدأ التعافي التدريجي، ما يعكس أضراراً هيكلية أعمق.
تعافٍ على شكل (W) يُعرف بالركود المزدوج، حيث يتعافى الاقتصاد مؤقتاً ثم ينتكس مجدداً قبل أن يستقر، وغالباً ما يرتبط بسحب مبكر للدعم أو صدمات جديدة.
تعافٍ على شكل (L) أسوأ السيناريوهات، إذ يعقب الانخفاض ركود طويل الأمد دون تعافٍ واضح، كما حدث في اليابان خلال تسعينيات القرن الماضي.
تعافٍ على شكل (K) أحدث هذه النماذج، ويصف فجوة التعافي بين فئات المجتمع، حيث تستفيد شرائح ذات دخول مرتفعة وقطاعات معينة، بينما تتراجع أوضاع الفئات الأقل دخلاً، ويُنسب هذا المفهوم إلى الاقتصادي الأميركي بيتر أتووتر (Peter Atwater) خلال جائحة كوفيد-19.
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية
