"القصص".. عن الطبقة التي شكلتها صورة مع الرئيس وخسائر الزمالك

حصل الفيلم المصري "القصص" على جائزة التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية، في دورتها الـ36، وقد سبق وكان الفيلم المصري الوحيد الذي شارك في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي، من بين 16 فيلماً تمثل قوام المسابقة لهذه النسخة.

عودة المخرج المصري أبو بكر شوقي إلى مهرجان البحر الاحمر، جاءت بعد مشاركته السابقة بالفيلم السعودي "هجان" عام 2023، والذي يمكن اعتباره محطة جانبية قبل أن يرتد إلى البيئة المصرية التي سبق وأنجز من خلالها فيلمه الأول والملفت "يوم الدين" في 2018.

ولكن لنأخذ في الاعتبار أن "القصص" مغامرة سردية مختلفة كلية عن تجربة "يوم الدين"، التي اتخذت شكل الرحلة أو فيلم الطريق، "القصص" فيلم يحمل جانب من حكاية لقاء والدا أبو بكر؛ أحمد الشاب المصري وإليزابيث النمساوية في ستينيات القرن الماضي– في مشهد لطيف بالفيلم يلتقي البطل أحمد/ أمير المصري بأحمد الحقيقي وزوجته في النمسا، ويطلب منهم أن يلتقطا له صورة، ليس فقط من باب تحية قصتهم، ولكن كحالة شعرية توفرها السينما، عندما تجعل صاحب الحكاية الأصلية يلتقي بالشخصية الدرامية التي تمثله داخل فيلم يحكي قصته.

ظاهرياً، يبدو "القصص" محاكاة أصيلة وواعية لشكل الفيلم الميلودرامي العائلي الكلاسيكي في السينما المصرية، خاصة فيما يتعلق بالحكاية وأسلوب المعالجة، كما أنه يحمل أيضاً على المستوى البصري جانباً من أسلوب وطريقة مخرجي الواقعية الجديدة في السينما المصرية (جيل محمد خان وعاطف الطيب) في التعامل مع حركة الكاميرا، التي تعكس حراك اجتماعي ونفسي في (أوقات الشدة) بالتعبير الناصري بعد النكسة العسكرية.

ولكن بالتفكيك يبدو لنا الشكل أكثر اتساقاً مع الأسلوب الذي يريد به المخرج أن يعبر عن حكايته شبه الشخصية – لقاء أبويه- وعن لحظات الانكسار والانتصار التي شكلت جانباً مهما من سيكولوجية الطبقة المتوسطة -المندثرة حالياً- في المجتمع المصري، وذلك خلال أكثر ثلاثة عقود حساسة بالنسبة لهذا المجتمع في القرن العشرين.

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً

فوز "القصص" من مصر بالتانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية

فاز فيلم "القصص" للمخرج ‌المصري أبو بكر شوقي بجائزة التانيت الذهبي للأفلام الروائية الطويلة، في الدورة السادسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية.

لماذا القصص؟

عنوان الفيلم "القصص"، والتعريف في اللغة يفيد التخصيص والتركيز، عكس التنكير الذي ينحو نحو التجريد والعمومية، القصص تعني هذه السياقات تحديداً، هذه الحكايات دون غيرها، وهو عنوان يرسم دائرة حول عائلة بطل الحكاية أحمد بأكملها، يحرره من كونه الشخصية الرئيسية رغم محوريته وارتباط الصراع الأساسي به – بداية من تعارفه على ليز ضمن نشاط المراسلات البريدية الذي كان منتشراً في الستينيات قبل اختراع وسائل التواصل الاجتماعي- مروراً بسفره إليها في النمسا في منحة دراسية، ثم عودته القسرية عقب استشهاد أخيه التوأم حسنوف في حرب 73، وصولاً إلى قدومها إليه عام 77 وقت انتفاضة الخبز، ثم زواجهما في 81 عام اغتيال السادات، وأخيراً حصوله على الفرصة المناسبة للصعود والترقي الاجتماعي عام 84، عندما يخدمه الحظ في أن يلتقط له احدهم صورة مع الرئيس، وهي الصورة التي غيرت مجرى حياة خصمه اللدود شمس، حين حصل عليها قبل عشرين عاماً مع جمال عبد الناصر، وفتحت أمامه ابواب السفر والمناصب.

لكن "القصص" لا ترتبط فقط بالخط الخاص بأحمد وليز! ولكنها تتفرع بصورة دقيقة ومحسوبة لترسم بورتريهات كاريكاتورية لمحيطه العائلي، الذي تضيف إليه المليودراما والكوميديا السوداء عمقاً أكبر من كونه "بارودي" خفيف مستوحى من الأفلام العائلية المصرية القديمة.

قام شوقي بتطويع حكاية والديه إلى معطيات رؤيته الخاصة للقصة والزمن الذي تدور فيه، أي أننا أمام محاولة لسرد الحكاية الكلاسيكية بطريقة كلاسيكية أيضاً! كمغامرة لخلق أكبر قدر من المشاعر والتفاصيل التي لا تخدم فقط السرد، ولكنها تخدم الفرضية أيضاً، والتي يمكن أن نقول أنها تفكيك لواقع حياة الطبقة المتوسطة بعد غيابها عن المشهد الاجتماعي، وربما الوقوف على بعض أسباب هذا الغياب!

يعيش أحمد في بيت مصري صغير ومذدحم يطل على ميدان العمرانية في الجيزة، بيت مكون من أب موظف عصبي ومتوتر طوال الوقت، وأم تبدو كأنها حامل في طفل أبدي مثل كل الأمهات المصريات، تسكن المطبخ في أغلب مشاهدها وتصرخ منادية بأسماء أبنائها لكي يساعدوها، أو حتى من باب التنفيس عن الغضب المستمر من كونها خادمة البيت بأكمله.

ثم لدينا اثنين من الأعمام أحدهم متهم دائما بكون عينه حسوده، والآخر عازف كمان عصبي في فرقة أم كلثوم، ثم يتسع البيت ليضم الجار القزم منفلت الأعصاب الذي يصرخ بسبب تدريبات أحمد على البيانو – حيث ورث حب العزف عن عمه لكن الموسيقى الكلاسيكية استلبته- والصديق الغامض الصامت الذي يتواجد في البيت كأنه لا يملك مكان يركن فيه غيره!

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً

"الست".. فيلم لم يُعطِ ولم يَستَبقِ شيئاً

فيلم "الست" قد لا يبقى في ذاكرة أفلام السير كنموذج فني صالح إبداعياً، بل كمرجعية تستخدم للتحذير من غياب الرؤية الواضحة أو الغرض الجمالي.

هذه الشخصيات هي قوام القصص، تحيط بأحمد وليز مشكلة العالم الذي يصارعهما ويدعمهما في نفس الوقت، وهو بناء درامي جذاب وحميمي، فكلما كان العالم المحيط بالشخصيات الرئيسية يتشكل عبر شخصيات أخرى وليس عبر قوى غامضة أو غير متجسدة على الشاشة، كلما كانت الفكرة أكثر تجلياً في ذهن المتلقي، أو على الأقل يصبح الصراع أكثر قوة وتدفقاً وجاذبية؛ بداية من شكوك الأهل حول أن ليزا جاسوسة وقت أن كان الخطاب السياسي يشيطن الآخر، بحجة التآمر على الثورة والناصرية، ثم الرفض المقنع لوجودها بينهم كأجنبية لا تنتمي لثقافتهم وسياقاتهم الاجتماعية، وصولاً إلى تقبلها أخيراً على اعتبار أنها أصبحت فردأً من العائلة بعد أن صارت أكثر إتقاناً للهجة المصرية، وجزء لا يتجزأ من روح أحمد الهشة، الذي ينتظر في صمت أن يأخذ فرصته ذات يوم في صورة مع الرئيس كي ينهض بحياته الوظيفية الخاملة.

الفساد- الصلع- صورة الرئيس

يبني أبو بكر شوقي تصوراته عن الطبقة المتوسطة المصرية من خلال ثلاثة عناصر أساسية، تلخص مفاهيم هذه الطبقة عن العلاقة مع السلطة والوظيفة والترقي الاجتماعي، فعندما يطلب من الأب الموظف بوزارة الزراعة أن يظهر في التليفزيون، مع مذيع اعتباري يمثل صوت الإعلام الحكومي الموجة في كل العصور وقدمه الممثل المخضرم حسن عدل، و لكن يفلت لسان الأب على الشاشة في لحظة مصارحة بأن الفشل الذي يشهده القطاع الذي يعمل به، في وزارة مهمة مثل وزارة الزراعة، سببه (الفساد)، وهي الكلمة التي تتسبب في قطع الإرسال بالطبع، لأسباب أمنية، وتجعل الأب يعيش في كابوس الاعتقال، الذي كان وسيلة السلطة في تللك الفترة لإسكات أي معارض أو معترض، ولولا حدوث الهزيمة العسكرية وقصف المدن المصرية صباح 5 يونيو، ربما ما كان الأب قد نجا من قبضة المباحث. 

هذا العيش المرعب بصورة مستمرة خوفاً من سلطة عليا عمياء، لا تفرق بين المعارض السياسي وبين المعترض على تردي حال البلد محبة لها، هو جزء أصيل من حكايات الطبقة المتوسطة المصرية، خصوصاً مع تشكلها البارز خلال فترة الستينيات في ظل سياسيات الدعم والقطاع العام الوظيفي ودعاوى الاشتراكية المشوهة. 

وهو نفس الرعب الذي ينتاب الأسرة حتى بعد أن انتهى عصر الدولة البوليسية ظاهرياً، عندما يتم استضافة ليز زوجة أحمد في نفس البرنامج لنفس الإعلامي الحكومي الخالد، لتنطق بنفس.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من الشرق للأخبار

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من الشرق للأخبار

منذ ساعة
منذ 4 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 27 دقيقة
منذ ساعة
قناة يورونيوز منذ 4 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 19 ساعة
قناة العربية منذ 3 ساعات
صحيفة الشرق الأوسط منذ 12 ساعة
صحيفة الشرق الأوسط منذ 10 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 6 ساعات
قناة يورونيوز منذ 6 ساعات
قناة يورونيوز منذ 5 ساعات