لماذا أصبح مخزون اللبان في العالم مهدداً بالنفاد؟

كرس المزارع سالابان صلاد موسى حياته كلها وجعلها تتمحور حول اللبان. المادة الصمغية النفيسة ذات الرائحة العطرية التي تعد رمزاً لموسم الاحتفالات، كما تحظى بشعبية متزايدة في مجال الصحة، إلا أن مصدرها الطبيعي يتعرض للتدمير والاستنزاف.

يعيش سالابان في بلدة دايها الصغيرة في منطقة سناغ في أرض الصومال، وهي منطقة انفصالية عن الصومال، ويعمل كجامعٍ متمرسٍ للصمغ العطري الشهير، الذي يُستخرج حصرياً من شجرة البوسويليا.

وفي كل عام، يُقيم سالابان صلاد موسى في كهفٍ بالقرب من أرضه التي يملكها وتضم هذه الأشجار، لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر. يخرج كل يوم إلى الأرض التي تملكها عائلته وتعتني بها منذ أجيال. وينتقل من شجرة إلى أخرى، يتفقد لحاءها بحثاً عن الآفات، ويزيل الرمال، ويعتني بالشّتلات التي زرعها في وقت سابق من الموسم.

لكن مصير هذه البساتين، ومصدر رزق جامعي اللبان بأكمله، بات على المحك. فمع تراجع مزارع اللبان، تُجبر الصناعات المحلية والعالمية القائمة على اللبان على إعادة النظر في كيفية إنتاج هذه المادة الثمينة وتتبعها وبيعها حول العالم.

يرتبط اللبان ارتباطاً وثيقاً بالقربان المقدس الذي قُدِّم ليسوع عندما كان طفلاً إلى جانب الذهب والمرّ من الحكماء الثلاثة. كما استُخدم لآلاف السنين في الطب الهندي والصيني، وهو من أقدم السلع المتداولة عالمياً. واليوم، أصبح عنصراً أساسياً في الصناعات التي تهتم بالصحة والعيش السليم، وتبلغ قيمتها 5.6 تريليون دولار، إذ يُستخدم لإنتاج سحابة عطرية من الدخان تُستخدم في التأمل والعلاج، فضلاً عن الطقوس المتأصلة في العبادة الكاثوليكية منذ قرون.

أما بالنسبة للمزارع سالابان، فإن الأمر يحمل دلالات دنيوية أعمق بكثير. فهو، إلى جانب العديد من جامعي اللبان الآخرين في أرض الصومال والدول المجاورة، يعتمد على اللبان كمصدر لدخله.

ويُعدّ القرن الأفريقي أحد أهم مناطق إنتاج اللبان عالمياً، ويشمل أرض الصومال وإثيوبيا والسودان. لكن اليوم، تُشكل التوترات المحلية، والمدفوعات الضئيلة للمزارعين، وعدم وضوح القوانين، وتزايد الطلب العالمي، ضغوطاً على بعض جامعي صمغ اللبان في هذه البلدان، ما يدفع إلى جعل عملية استخراج الصمغ من الأشجار تقل وتصبح مستوياتها غير مستدامة.

وبعيداً عن الصورة النمطية الاحتفالية، تبدأ عملية جمع هذه السلعة المرغوبة بأنواع من شجرة البوسويليا، وهي شجرة صحراوية قوية ذات لحاء رقيق وأوراق متناثرة، وغالباً ما تُوجد مُتشبثة بالمنحدرات في المرتفعات الجافة لأرض الصومال. ويقوم جامعو صمغ اللبان في أرض الصومال بكشط الصمغ من لحاء أشجار البوسويليا البرية، وغالباً ما يعملون لساعات طويلة مقابل أجر يعتمد على كمية الصمغ المُستخرجة، في ظل نظام أسعار متقلبة وسلاسل توريد غير رسمية. ويقول الخبراء إنهم قد يكونوا أيضاً عُرضة للوسطاء الذين يستغلون الصراع في المنطقة وغياب الرقابة الحكومية.

ومثل ماء البتولا وشراب القيقب، يُحصد اللبان من خلال عملية تُعرف باسم "الاستخراج"، حيث تُحدث شقوق في لحاء الشجرة تسمح بتسرّب الصمغ "الراتنج". ويتصلب النسغ -السائل الناتج من اللحاء- على مدى عدة أسابيع متحولاً إلى سائل لزج، ويقوم الحصّادون بكشطه عن الشجرة.

ومثل ماء البتولا وشراب القيقب، يُحصد اللبان عبر عملية الاستخراج، حيث تُجرى شقوق في لحاء الشجرة تسمح للصمغ بالتسرب. وتتصلب العصارة على شكل يشبه"الدموع" خلال عدة أسابيع، ثم يقوم الحصادون بعد ذلك بكشطها من على الشجرة.

كان الصمغ يستخرج بالطريقة التقليدية عادة، بشكل معتدل، مع إجراء شقوق دقيقة للحفاظ على الأشجار. أما اليوم، فيُستخرج من أشجار البوسويليا بكميات تفوق قدرتها على التحمل، ما يُلحق بها ضرراً طويل الأمد. ووفقاً لتقرير صدر عام 2022، قد يستغرق تعافي الشجرة من الضرر الناجم عن الحصاد المفرط عشر سنوات أو أكثر.

وتؤثر عوامل أخرى كثيرة على هذه الأشجار، إذ بدأ تغير المناخ يُؤثر فعلياً على بعض المناطق التي تزدهر فيها أشجار البوسويليا. كما كان لتفشي خنفساء ثاقبة للخشب أثر مدمر. ووفقاً لدراسة نُشرت في مجلة نيتشر عام 2019، فإن أعداد أشجار البوسويليا الورقية (B. papyrifera)، المصدر الرئيسي للبان الموجود في إثيوبيا والسودان، تتناقص بشكل حاد في جميع أنحاء نطاقها الجغرافي. ووجدت الدراسة أن أكثر من 75 في المئة من الأشجار التي شملتها الدراسة لم تكن أشجاراً صغيرة، ما يعني أن التجدد الطبيعي لهذه الأشجار غائب منذ عقود، نتيجةً لتضافر عوامل منها رعي الماشية، والحرق المتكرر، والاستخراج العشوائي للصمغ.

كما أشارت الدراسة إلى أن أنواعاً أخرى من أشجار اللبان تواجه تهديدات مماثلة (إذ لا تزال تجارة اللبان تعتمد بشكل كبير على الأشجار البرية بدلاً من الاهتمام بزراعتها). وتوقّعت الدراسة أن ينخفض إنتاج اللبان إلى النصف خلال العشرين عاماً المقبلة.

لكن مع ذلك، لفت الباحثون إلى صعوبة تقييم الأشجار في أرض الصومال بسبب التوترات المحلية.

تقول أنجانيت ديكارلو، مؤسسة مشروع "إنقاذ اللبان" والمؤلفة المشاركة لتقرير عام 2022 حول الأضرار التي لحقت بأشجار اللبان نتيجة الحصاد المفرط: "اللبان مُهددٌ بلا شك"، على الرغم من أن البيانات الجيدة والمتاحة لا تخص سوى عدد قليل من الأنواع.

وتضيف أنه "بالنسبة للعديد من الأنواع، لا تزال هناك أشجار متفرقة كثيرة. الأمر كله يعتمد على التهديدات الرئيسية في كل موقع، مثل رعي الإبل، والاستخراج المكثف للصمغ، والظواهر الجوية الشديدة (كالفيضانات المفاجئة على سبيل المثال)، والتعدين".

وتضيف أنجانيت أن الاهتمام بزراعة اللبان على نطاق أوسع، من غرب أفريقيا إلى إثيوبيا، قد يُسهم أيضاً في تحسين الوضع. وقد يكون ذلك بمثابة دفعة قوية، إذ سيزيد بشكل كبير من احتمالية بقاء هذا النوع من النباتات، على المدى الطويل.

ومع ذلك، أشار آخرون إلى أن زيادة زراعة اللبان قد تنطوي على مخاطر، مثل تأجيج.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الأنباء الكويتية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الأنباء الكويتية

منذ 7 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ ساعة
منذ 3 ساعات
منذ 10 ساعات
صحيفة القبس منذ 3 ساعات
صحيفة الوطن الكويتية منذ 4 ساعات
صحيفة الوطن الكويتية منذ 3 ساعات
شبكة سرمد الإعلامية منذ 4 ساعات
صحيفة السياسة منذ 12 ساعة
شبكة سرمد الإعلامية منذ 9 ساعات
صحيفة القبس منذ 9 ساعات
صحيفة الجريدة منذ 4 ساعات