اليمن والسودان دولتان عربيتان تعيشان في محنة وأزمة منذ أكثرَ من عقد، وبالرغم من خصوصية كل حالة من حيث التفاصيل، فإن ثمة جامعاً بينهما يمكن وصفه بمعضلة استمرار وبقاء الوحدة الجغرافية للدولة وحدود السيادة عليها وفعالية مؤسساتها. أصل المعضلة يعود إلى المشروعات والمغامرات السياسية والعسكرية التي تدفع إلى إعادة تركيب تلك الوحدة الجغرافية، لتصبح وحدات أصغر، لكل منها نخبة طامحة في الحكم، ولديها اتجاهات لا علاقة لها بمصالح الشعب، ولكن بمصالحها الخاصة جداً، وربما مصالح قوى خارجية وراءها تدفع نحو هذا التقسيم والتقزيم، دون إدراك لخطورة هذه التحركات. من المهم في هذه الحالة أن ترتفع الأصوات عالية بالقول لا للتقسيم أو الانفصال، وإن كان البعض يرى تلك المشروعات تخص دولة أخرى، قد تكون بعيدة عنه جغرافياً، فهي في المقام الأول تقدم نموذجاً لن يقتصر على هذه الحالة أو تلك، بل سيحفِّز آخرين على الفعل ذاته في دول أخرى، مما يضع دولنا العربية في مواجهة مجهول كبير، الجميع في غنى عنه.
حالتا اليمن والسودان تواجهان تلك المعضلة بفعل بعض أبنائها، الذين يمكن وصفهم بالمغامرين الذين أخطأوا في التقدير حين سعوا لتفجير الوطن الجامع، سياسياً وعسكرياً بمبررات لا علاقة بها بمستقبل البلاد وسيادته وحقوق شعبه، بل بمصالح جزئية وشخصية في المقام الأول. والرهان يدور حول دفعهم للتراجع عن تلك الحسابات الخاطئة، والتخلص من أوهام السيطرة على جزء من الوطن وتقزيمه، وإدخال الجميع في دوامة قد تستمر عقوداً طويلة. هذه مهمة صعبة، ولكن لا بديل عنها من قبل المخلصين المؤمنين بحقوق الوطن في العدالة والتنمية والكرامة. في الآن ذاته علينا ألا نتجاهل أن هناك وطنيين شرفاء يواجهون تلك المعضلة متمسكين بوحدة بلادهم وعدم التفريط فيها، مع تمسكهم بمعالجة الأزمة بسبل سياسية تنتج حالة تماسك مجتمعي ومؤسسي ينهي الجدل حول ما سبق، ويفتح أفاقاً لما هو مقبل من الأيام.
هذه الحالة المقلقة والخطرة في اليمن والسودان، بكل ملابساتها وإشكالياتها السياسية والأمنية والإنسانية لم تعد تخص أهل تلك البلاد وحدهم، فالجوار أياً كان، له حق التحرك لمنع الانزلاق نحو هاوية من الفوضى والخراب، فما بالنا بالجوار العربي والتداخل المجتمعي والمصير المشترك، الأمر هنا يمنح تدخل الجوار العروبي والمقرون بالأمن المشترك مستوى آخر من القوة، يستهدف إعادة بوصلة الأحداث نحو الاتجاه الصحيح؛ وعنوانه لا تفريط في الوحدة الجغرافية المعروفة، ولا اعتراف بالسلطات المفتعلة، ولا قبول للخرائط الجديدة التي يسعى إليها البعض، ولا قبول بالانقسام الواقعي الذي يفت في عضد الدولة، أو الانفصال غير المشروع بفعل فرط القوة الزائف، والأهم أنه لا تراخٍ في مساعدة القطاعات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الشرق الأوسط
