بين أطلال شالة، حيث يتهجى الحجر ذاكرة القرون، وتنساب الأزمنة مثل ماء عتيق في عروق المدينة، تنهض الرباط اليوم على إيقاع آخر، إيقاع أفريقي صاخب، يخلط التاريخ بالراهن، والروح بالعضلات، والحلم بالكرة.
هنا، لا تغلق الأبواب بين الماضي والمستقبل، بل تفتح على مصراعيها لتصير العاصمة جسرا واسعا يعبره الأفارقة نحو احتفال جامع اسمه الرياضة.
الرباط ليست مجرد مدينة تستضيف بطولة، بل إنها مسرح تتقاطع فيه الحضارات، من شالة، حيث همس الفينيقيين والرومان، إلى أسوار الأوداية التي تحفظ زرقة الأطلسي، تتعلم المدينة كيف تحول الذاكرة إلى طاقة، وحين تدق صافرة البداية في الملاعب، لا تبدأ مباراة فحسب، بل يعلن ميلاد مشهد رمزي، إفريقيا تلعب وإفريقيا تلتقي، وإفريقيا تروي قصتها بقدم على العشب وقلب في المدرجات.
في الشوارع، تتعانق الألوان واللغات، وتتحول المقاهي إلى منصات نقاش كروي، والوجوه إلى خرائط فرح.
صخب الملاعب لا يبتلع سكينة المدينة، بل يوقظها، كأن الرباط تعرف أن الفرح الجماعي امتداد طبيعي لثقافة الضيافة، وأن الهتاف الرياضي ابن شرعي للأغنية الشعبية.
هنا، يصبح الهدف مرآة لهدف أكبر، أن ترى القارة كما هي متنوعة، نابضة، قادرة على التنظيم والاحتفال.
العرس الإفريقي في الرباط ليس حدثا عابرا، بل بيان هوية، بنية تحتية تتكلم بلغة المستقبل، وتنظيم يراهن على الدقة، وجمهور يحسن الإصغاء قبل التصفيق.
المدينة تقدم نفسها كعاصمة للقاء، لا للتنافس وحده، فالملاعب ساحات تعارف، والقمصان أعلام صداقة، والنتائج محطات في رحلة أطول اسمها الانتماء القاري.
هكذا، من عبق شالة إلى صخب الملاعب، تكتب الرباط سطرا جديدا في دفترها الأزلي، مدينة تعرف كيف تصالح التاريخ مع الحاضر، وكيف تجعل من الرياضة لغة مشتركة، ومن الفرح مشروعا جماعيا.
إنها منصة العرس الإفريقي، حيث تتوحد القلوب قبل الأصوات، وتعلو إفريقيا مرة أخرى على إيقاع الحياة.
هذا المحتوى مقدم من بلادنا 24
