شؤون عمانية تحقيق: سالمة الفارسية، محمد القرني، إسماعيل الكندي
عادي البنات يروحون مغسلة السيارات؟ أم بس الشباب؟! .. تساؤل قد يبدو بسيطا في حد ذاته لكنه أثار الكثير من الآراء حول هذه القضية، إذ طرحت فاطمة هذا التساؤل على منصات التواصل الاجتماعي للبحث عن إجابة، تتساءل عن تلكَ الهمسات التي قد تسبقها إن مرّت بسيارتها بينَ سيّارات الرّجال، عن تلكَ النظرات التي تلاحقها في أرجاء المكان، لكونها ذهبت لغسل سيّارتها كأي شخص آخر
هذا التساؤل فتح باباً للنقاش المجتمعي حول ما إذا كانت هذه الخطوة تمثل كسراً للأعراف أم مجرد سلوك طبيعي، إذ تباينت الآراء بين مؤيد يرى أنه من الطبيعي ذهاب المرأة إلى مغاسل السيارات، ومعارض يستند إلى الحياء والعادات والتقاليد بحجة أنه مكان للرجال فقط.
فمن جهة، يرى مؤيدو هذا السلوك أن ذهاب المرأة إلى مغسلة السيارات أمر طبيعي جدا في زمن أصبحت تدير شؤونها اليومية بلا استثناء وباستقلال تام، فالأمر لا يتجاوز كونه خدمة عامة، يحق للجميع الاستفادة منها دون تمييز، مؤكدين أن المجتمع بحاجة إلى تجاوز الأحكام المسبقة التي تضع ثقافة العيب قبل كل شيء في التفاصيل البسيطة من الحياة اليومية.
وضمن هذا السياق تذكر د. موزة الرواحية، أستاذ مساعد بقسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية، أن القضية تتجاوز مسألة الذهاب إلى المغسلة إلى كونها تعبيرًا عن تحوّل اجتماعي أعمق في النظرة إلى أدوار الجنسين، قائلةً: قبل سنوات قليلة، كان يُنظر إلى المغسلة بوصفها مكانًا ذكوريًا، لا لسبب جوهري، بل بسبب العادة والتقسيم الاجتماعي للأدوار، أما اليوم، فإن دخول المرأة لهذه المساحة يشير إلى تغير في حدود الأدوار التقليدية، إذ إن المرأة أصبحت أكثر حضورًا في كل تفاصيل الحياة اليومية، تقود السيارة، تسافر، تعمل في مواقع ميدانية، فلماذا لا تذهب غسل سيارتها بنفسها؟ مشيرة بذلك إلى أن بعض النظرات السلبية لا تأتي من رفض السلوك ذاته، بل من الموروث الثقافي.
وذكرت أمل السُلطية، مسؤولة التدريب بقسم عمل الإجتماع بكلية الآداب والعلوم الإجتماعية بجامعة السلطان قابوس أن هذا السلوك يعكس ثقة المرأة العُمانية واعتمادها على نفسها، موضحة: إذا لم يكن هناك أي ازدحام رجالي أو مظهر غير لائق، فالمرأة تملك الحق في أن تدير شؤونها اليومية دون حرج .
وتبين بيانكا، محاضرة بكلية عمان للسياحة، رأيها النابع من تجربتها الشخصية: قد يبدو الأمر في ظاهره محرجا إذ غالبا ما تكون هي المرأة الوحيدة في المكان، لكن في خضم هذا فإنها دائما ما تجد العاملين هناك مرنين في التعامل معها وداعمين في الوقت ذاته إذ يحاولون بأفعالهم البسيطة مثل تقديم كرسي للجلوس مثلا خلق بيئة مناسبة للنساء، كما تشير إلى أن المجتمع لا يزال يعاني من بعض التحفظ الزائد حيال الموضوع وذلك لأننا غالبا ما نشاهد رجالا هناك فقط .
وتوضح يقين الندابية، طالبة في قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس أن المرأة من الجيّد أن تعتمد على نفسها، وتذهب لمحطة غسيل السيارات بمفردها، موضحة: الظروف تختلف بين المرأة والأخرى، لربما تكون هي الأخت الكُبرى، ليس لديها إخوة، أو انشغال أهلها في مشاغل الحَياة الكثيرة، لذلك أرى أن ذهاب المرأة بنفسها، فيه توفيرٌ للوقت، واعتمادٌ على النفس .
آراء معارضة
وفي المقابل، يرى آخرون أن هذا المشهد لا يخلو من خروجٍ عن المألوف الاجتماعي، خاصة أن تلك الأماكن يغلب عليها الطابع الذكوري من حيث العاملين والمرتادين، مما يجعل وجود المرأة فيها غير مريح من ناحية الخصوصية أو الذوق العام.
ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن التحفّظ لا يعني رفض التطور، بل هو حرص على أن تحافظ المرأة على صورتها الموقّرة ومكانتها الاجتماعية، دون الدخول في مواقف قد تُعرّضها لنظرات أو تعليقات غير لائقة.
وبين د. راشد البوسعيدي، أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس: بيئة المكان غير مناسبة لقدرة المرأة على تحمّل الظروف المحيطة بالمغسلة، ولذلك ذهاب الرجل أفضل بسبب اعتبارات تهم المجتمع وقيمهُ الرصينة .
وترى زينب السيابية معلمة لغة إنجليزية أن المرأة لها وقارها ومكانتها الخاصة ولذلك فإن تواجدها في مثل هذه الأماكن غريب، وهذا لا يعني بالضرورة التقليل من قدراتها، ولكنه لا يبدو صحيحا حينما يتعلق الأمر بالحدود التي تحفظ احترامها أمام الجميع، مبررة رأيها بأن مغاسل السيارات ليست أماكن مهيأة للنساء.
ويعارض راشد الإسماعيلي موظف في مكتب سند قائلا: بصراحة لا أرى أنه من المناسب للمرأة أن تذهب لمغسلة السيارات لوحدها لأن المكان أغلبه رجال وممكن تتعرض لنظرات أو مواقف غير مريحة وما عيب تغسل سيارتها بس الأفضل يكون معاها أحد كحل مناسب يخصصوا أماكن للمرأة ليكون الوضع أقل حساسية .
خطوة نحو الحل
وتقول رحمة محمد طالبة إعلام بجامعة السلطان قابوس: يشكل موضوع غسيل السيارة معاناة كبيرة للبنات وخاصة إذا ما كانت السيارة تحتاج إلى غسيل داخلي؛ وذلك لأن هناك مغاسل باستطاعة المرأة الذهاب بنفسها لأنها ببساطة تكون بداخل السيارة وليست مضطرة للنزول، وتضيف نعم الأغلب منا لديها أخوة ورجال في المنزل بإمكانهم المساعدة، ولكن غالبا لا يشكل الأمر أولوية بالنسبة لهم بسبب انشغالهم، ونتيجة لذلك تظل السيارة أسابيع بدون غسيل والسبب يعود إلى حياء البنت من التواجد في مكان مزدحم بالرجال والعمال، بالإضافة إلى نظرة المجتمع التي قد لا تبدو ودية إلى حد كبير، أما فيما يخص الحلول فإن هناك تقدم ملحوظ نشهده مثل مغسلة السيارات الواقعة في SQ SQUARE بالخوض إذ أن موقع هذه المغسلة يعد مناسبا جدا لا سيما وجود المقاهي بالقرب منه، وببساطة بإمكان المرأة أن تضع سيارتها في الغسيل وتحتسي القهوة في الأثناء لحين انتهائها، ويعد هذا حلا بسيطا من الممكن تطبيقه، بالإضافة إلى وجود شركات خاصة تقدم خدمة منزلية، فالأمر لا يتطلب الكثير من الجهد حينما يتعلق الأمر بهذه الشركات.
وتشير رحمة إلى أن الحلول موجودة لكنها قليلة في الوقت ذاته، وتحتاج دافعية أكبر من المجتمع .
وفي السياق، ترى إسراء الرحبية طالبة في كلية مجان الجامعية بتخصص إدارة الأعمال أنه من الأفضل أن هذه الأمور تترك للرجل، مضيفة: إذا أرادت المرأة غسل السيارة والأخوان أو الأب غير متواجدين بسبب العمل أو بسبب ظروف أخرى، فالحل هو أن تتواصل مع عامل الغسيل ويأتي لأخذ السيارة من المنزل، لأنه من غير اللائق تواجد المرأة في مغاسل السيارات، أو من الممكن أن تطلب خدمة الغسيل الذاتي أمام المنزل إذا توفرت في منطقتها، أو تشترك في مغسلة يأخذوا سيارتها بين فترة وأخرى .
من جانبها، تعتقد فاطمة الزهراء خليل طالبة بجامعة الشرقية تخصص تربية لغة إنجليزية، أن ذهاب المرأة إلى مغسلة السيارات أمر طبيعي ومناسب في وقتنا الحالي، خاصة مع تطور المجتمع وتزايد مشاركة المرأة في مختلف مجالات الحياة، مبينة: من الطبيعي أن تعتمد المرأة على نفسها في الأمور اليومية مثل تنظيف سيارتها، تماماً كما يقوم الرجل بذلك، وبما أن أغلب المغاسل اليوم أصبحت أكثر تنظيماً واحترافية، فالموضوع لا يتعارض مع الحياء او العادات، طالما يتم في بيئة محترمة وآمنة، بل على العكس تماماً، هذا يعزز من استقلالية المرأة ويعطي صورة إيجابية عن قدرتها على إدارة شؤونها بنفسها .
وتقترح: من ضمن الحلول توفير خدمات الغسيل المتنقل وما إلى ذلك لتوفير مزيد من الخصوصية والراحة ..
وفي نفس السياق، تقول محفوظة الفارسية معلمة لغة إنجليزية أن المرء لا يميل للحكم وانما يحكّم الموقف، فقد تكون المرأة مضطرة للذهاب بالنظر لظرفها الخاص، وكما هو متعارف عليه فإن مغسلة السيارات هو مكان للرجال ولا توجد أي امرأة تريد أن تضع نفسها في موقف محرج بسبب تواجدها في ذات المكان وتعرضها للنظرات أو التساؤلات، وفي النهاية هذه حرية شخصية ولا يتوقف الأمر على مغسلة السيارات، لها الحرية في أن تذهب لأي مكان كذلك.
وعن تجربتها الشخصية تقول: أنا شخصياً ذهبت لمغسلة السيارات وكان تعامل العمال أكثر من ممتاز وكذلك راعوا وضعي وقدموني كذلك في الدور.
وعن الحلول لتفادي هذا الأمر توضح: يمكن أن تختار المرأة المغسلة التي تكون موقعها مناسب وبجانب أماكن مثل الأسواق المركزية أو مقاهي للانتظار أو التسوق أو غيرها، وبذلك هي لا تتجاهل الجانب المجتمعي المتعارف عليه وكذلك تكون العملية أكثر أريحية وبدون حرج لها
ومن ضمن الحلول، يقترح زاهر الصوافي رائد أعمال، توفير أماكن انتظار مخصصة للنساء في مغاسل السيارات إن كانت المرأة مضطرة لغسيل السيارة، إلا أنه يرى الأحوط ذهاب الرجال للمغسلة.
هذا المحتوى مقدم من شؤون عُمانية
