بمَ يتميز البريميرليغ عن بقية الدوريات؟ نستطيع الجدال كثيرًا حول هذا الأمر، من حيث جودة المدربين، التغطية الإعلامية، ضخّ الأموال وتوزيع العوائد بين الأندية، لكن ما لا يختلف عليه اثنان أنّ فعّاليات نهاية العام والمعركة الكروية التي نشهدها في فترة "الكريسماس"، وما يدعى بمصطلح "البوكسينغ داي" هو أبرز ما تختلف فيه جدولة البريميرليغ عن بقية دوريات أوروبا، حيث تعوّد عشّاق الكرة الإنجليزية على هذا التقليد لسنوات وسنوات، حتى أضحت فكرة تصوّر البريميرليغ بلا "بوكسينغ داي" أمرًا صعب التقبّل!
الخلفية التاريخية
قد لا تصدّق أنّ "يوم الصناديق" هو الترجمة الفعلية والصحيحة للـ Boxing Day لا الحرفيّة فقط، فلهذا اليوم تاريخ طويل للغاية بدأ في عام 34 ميلادي؛ فيعتقد أنّ هذا اليوم من هذا العام هو اليوم الذي قتل فيه أوّل شهيد مسيحي رجمًا حتى الموت، لذا فكان اسمه "يوم القديس ستيفن"، ولكون هذا القدّيس قد قتل في اليوم الثاني بعد الميلاد، ارتبط اليوم بشكل كامل بالميلاد، فارتبط بالكثير من الفعاليات الخيرية والاحتفالية، ولفترات طويلة كانت صناديق التبرعات توضع على أبواب الكنائس لتُفتح الصناديق يوم 26 ديسمبر/ كانون الأول وتوزع التبرعات على الفقراء، كما عُرف أيضًا توزيع أصحاب العمل لصناديق هدايا تحتوي المال والطعام على العمال.
يومًا بعد يوم تلاشت أهميّة هذا اليوم في أغلب أوروبا، إلّا أنه بقي ذا رمزٍ في بريطانيا البروتستانتية، وبنهايات القرن الثامن عشر أصبح هذا اليوم هو يوم التنزّه والخروج في إنجلترا، وفي عام 1871 تم إقرار هذا اليوم كعطلة رسمية في إنجلترا، ليصبح بالعرف العام البريطاني والمنطق التجاري يومًا للاستمتاع والفعاليات الترفيهية!
استطاعت شعبية اللعبة في المملكة المتحدة وكونها أحد أهم مصادر الترفيه هناك، أن تمنح هذا اليوم طابعًا رياضيًا بامتياز، دوريات كرة القدم والرغبي في كل من إنجلترا وإسكتلندا وإيرلندا الشمالية تُقام في هذا اليوم، في الرغبي حتى التسعينات كانت مباريات البوكسينغ داي دائمة، لكن بعدها أصبحت الدوريات تُلعب صيفًا، علمًا أن بعض الفرق ما زالت تُنظم مباريات احتفالية في هذا التاريخ.
بداية البوكسينغ داي
يُعتقد أن أول مباراة كرة قدم احتفالية بهذا اليوم كانت في العام 1860 بين شيفيلد يونايتد وهالام، لكن الشكل الرسمي الذي عهدناه في كل السنوات السابقة بدأ في عام 1958، لتبقى رمزية هذا اليوم متعلقة بالأنشطة الخارجيّة، وليصبح مصطلحًا عالميًا معروفًا في كل دول العالم لتعلقه بالدوري الأهم عالميًا، حيث كسب هذا اليوم في الدوري الإنجليزي شهرته ليس فقط لكونه يومًا احتفاليًا في إنجلترا؛ لكن لوجود العديد من الميزات المختلفة، فهو الدوري الوحيد الذي يستمر باللعب في فترة الأعياد في أوروبا "مع الدوري الإسكتلندي".
ومن شروط هذا اليوم أنّ المباريات غالبًا ما تكون بين فرق متقاربة جغرافيًا، ما يزيد احتماليّة المباريات النديّة بين فرق المدينة الواحدة واحتمالية "الديربي" في هذه المدن، وهذا ما يزيد من إثارة هذه المباريات وعدم قابليتها للتوقّع أكثر فأكثر، ويجعلها تتحكم كل مرة بشكل كبير بنتائج وحصيلة نهاية الموسم، لا سيما أنّ الفرق تلعب مباريات متتالية متقاربة زمنيًا من بعضها البعض، ليبرز هنا عامل الإرهاق البدني!
مادّيًا؛ هذا اليوم له أهميّة كبيرة في الدوري الإنجليزي، فشهرة اليوم وكونه عطلة مخصصّة يجعل المباريات لها أهمية مضاعفة داخليًا، وخارجيًّا فهذه الجولة الوحيدة التي تُجرى في كل أوروبا بتلك الأوقات، ما يجعل جميع عشاق كرة القدم في العالم يتوجهون لها، أمّا بالنسبة للاعبين والمدربين فكانت الجولة مميزة قبل زيادة عدد المباريات لهذا الشكل في الموسم، لذا نرى اللاعبين القدامى يحاولون دائمًا التأكيد على أهميّة هذا اليوم، خصوصًا الإنجليز منهم، فمثلاً غاري نيفيل اللاعب السابق للشياطين الحمر يقول: "إذا كان لديك مباراة في البوكسينغ داي بالدوري الإنجليزي، فيجب أن تتدرب بشكل صحيح في يوم عيد الميلاد، المشجعون يأتون في اليوم التالي، والنقاط تبقى كما هي."
وحتى أسطورة تشيلسي فرانك لامبارد، تحدث أيضًا بتقدير عن هذه الفترة وقال: "إنها التقاليد وعلينا احترامها، الناس يستمتعون بالخروج من المنزل بعد يوم الكريسماس"
جولات "البوكسينغ داي" والتي تتم برمجتها عمدًا لتكون ديربيات، لطالما حملت الكثير من الإثارة والصخب الكروي في مبارياتها على مدار السنوات، وأحيانًا الغزارة التهديفية، ولربّما نتائج البوكسينغ داي في 1963 تبقى الشاهد الأكثر رسوخًا في الذاكرة الإنجليزية، بـإجمالي 66 هدفًا في عشر مباريات!
محاولات التقليد
تقليدًا لنجاح جولة "البوكسينغ داي" مادّيًا في الكرة الإنجليزية، قررت رابطة السيري آ الإيطالية تطبيق التجربة في موسم 2018-2019، ورغم تحسن أعداد الجماهير في هذا اليوم إلا أن الرابطة اعتبرته فاشلاً، لأنه لم يكن كما كان مرجوًّا، فالقنوات صاحبة حقوق نقل الدوري الإيطالي طلبت إلغاء هذا اليوم لأسباب تسويقية متعلقة بقلة المباريات في يناير/ كانون الثاني التالي، وحدثت خلال هذه المباريات كوارث كالأحداث العنصرية التي واجهت كوليبالي من جماهير إنتر ميلان في ختام اليوم، لتكون تجربة ماتت قبل أن تولد، لتُعلن الرابطة في أبريل/ نيسان من عام 2019 أنّه لا بوكسينغ داي في 2019-2020.
البوكسينغ داي والآراء الناقدة
لكن وفي عصر غلب فيه الطابع العالمي على البريميرليغ، هناك عدد من المدربين واللاعبين خلال الفترة الأخيرة عبّروا عن استيائهم من هذا التقليد، فعلى عكس فينغر الذي قال: "أنا أحب كرة القدم في البوكسينغ داي كثيرًا، إنها جزء من التقليد الإنجليزي الذي أحترمه بشدّة، الأجواء في الملاعب رائعة، والناس يأتون بقلوب مليئة بالاحتفال"، هناك جوزيه مورينيو الذي درّب ثلاثة فرق في فترات مختلفة في البريميرليغ، الذي عبر بدوره عن استيائه من الفرق الكبير بين الدوري الإنجليزي وباقي أوروبا بقوله: "في هذه اللحظة، الألمان على الشاطئ، والإسبان في جزر المالديف تحت أشعة الشمس، وفي هذا البلد، أنت تلعب في هذا اليوم، البوكسينغ داي ويوم الـ28... لا يوجد كريسماس، فقط كرة قدم".
رميات التماس الطويلة.. تريند "البريميرليغ" الجديد القديم اقرأ المزيد
كما عبّر بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي، مرارًا عن مشكلته مع الجدول المزدحم، مشيرًا إلى أن التعافي مستحيل في إنجلترا، ما يضر بجودة وسلامة اللاعبين، وحتى يورغن كلوب غير المعروف بالتصريحات اللاذعة، وصف اللعب في البوكسينغ داي بالجريمة.
الرابطة تغيّر عرفًا إنجليزيًا
مع اقترابنا من "البوكسينغ داي" في هذا الموسم، وبعد أكثر من 600 مباراة لُعبت في 67 موسمًا في الدوري الإنجليزي؛ أعلنت رابطة الدوري الإنجليزي إقامة مباراة واحدة فقط في البوكسينغ داي، تجمع بين مانشستر يونايتد ونيوكاسل، ملقية اللوم على توسعة المسابقات الأوروبية كدوري أبطال أوروبا.
رابطة البريميرليغ قالت في بيان لها: "مع قلة عطلات نهاية الأسبوع، فإن الرابطة مقيدة بمواعيد المباريات، وكما هو الحال في السنوات السابقة، وتماشيًا مع التزامنا تجاه الأندية، تم اتخاذ ترتيبات خاصة للسماح بمزيد من الوقت بين المباريات التي تُلعب خلال فترة الأعياد."
وأضافت: "تواجه عملية جدولة مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز حاليًا عددًا من التحديات، الناتجة عن توسيع البطولات الأوروبية للأندية، وهو ما استدعى تعديل جدولنا المحلي قبل الموسم الماضي، بما في ذلك تغييرات في بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي. وقد جعل ذلك من الدوري الإنجليزي بطولة تقام على مدى 33 عطلة نهاية أسبوع فحسب، وهو عدد أقل من المواسم السابقة، على رغم أنه ما زال يتكون من 380 مباراة منذ 1995".
هل انتصر معادو البوكسينغ داي إلى الأبد؟!
في الحقيقة لا؛ فقد أكّدت الرابطة أنها ستسعى دائمًا إلى إقامة المزيد من المباريات في هذا اليوم، خاصة في الموسم القادم الذي سيشهد لعب الكثير من المباريات، كون السادس والعشرين من ديسمبر سيكون يوم سبت، لكن يمكننا اعتبار هذا القرار نصرًا بشكل أو بآخر، فإيجاد حلول سنوية والنظر إلى وضع الجولات في كل موسم ليس بالأمر الهيّن، خاصة أنه يتم للسنة الأولى في تاريخ البريميرليغ، وهذا أمر غير معتاد في أوساط كروية محافظة كالأوساط الإنجليزية!
لكن يبقى السؤال: هل ما سيحدث هذا الموسم سيصبح هو القاعدة أم مجرد استثناء؟
هذا المحتوى مقدم من winwin
