أيمن صالح، مساعد رئيس تحرير CNN الاقتصادية يكتب مقالاً بعنوان: عبدة الروتين.. سلطة بلا إنتاج تخنق اقتصاد العالم. لقراءة المقال كاملاً

في عالم تتسابق فيه الدول على جذب الاستثمار وتعظيم الإنتاجية، ما زالت البيروقراطية تمثل أحد أخطر العوائق غير المرئية أمام نمو الاقتصاد العالمي. ورغم التطور التكنولوجي الهائل، فإن الروتين الإداري المعقّد لا يزال يستهلك مليارات الدولارات سنويًا، ويستنزف وقت الحكومات والشركات والأفراد، ليصبح في عام 2025 عبئًا اقتصاديًا حقيقيًا لا يمكن تجاهله. البيروقراطية في جوهرها ليست شرًا مطلقًا، فهي وُجدت لتنظيم العمل وضمان الشفافية وحماية المال العام، لكن المشكلة تبدأ عندما تتحول الإجراءات إلى متاهة من التراخيص والتصاريح والتقارير المتكررة، فتفقد دورها التنظيمي وتتحول إلى عبء خانق يعرقل النمو ويقتل روح المبادرة. هنا تصبح البيروقراطية شريطًا أحمر يلتف حول عنق الاقتصاد بدلًا من أن يكون صمام أمان له.

في عام 2025، تشير التقديرات والدراسات الاقتصادية إلى أن تكلفة البيروقراطية على الاقتصادات الكبرى وحدها تصل إلى نسب تتراوح بين 1.5% و3% من الناتج المحلي الإجمالي.

هذه النسبة تعني مئات المليارات من الدولارات المهدرة سنويًا، ليس فقط في صورة مصروفات مباشرة، بل في خسائر غير مرئية مثل ضياع فرص الاستثمار، وتعطّل المشروعات، وتباطؤ اتخاذ القرار. وإذا كان هذا هو حال الاقتصادات المتقدمة، فكيف يمكن تخيل حجم الخسائر في الدول النامية التي تعاني أصلًا من ضعف البنية الإدارية؟ وعلى المستوى العالمي، تكشف مؤشرات فعالية الحكومات وجودة التنظيم عن أن البيروقراطية ليست حكرًا على دول بعينها، بل ظاهرة عابرة للقارات. وغالبًا ما تُدرج دول مثل فنزويلا، والهند، وروسيا، والبرازيل، ونيجيريا، وإندونيسيا، ومصر، والأرجنتين، وإيطاليا، وجنوب إفريقيا ضمن أكثر عشر دول تعاني من التعقيد البيروقراطي، سواء بسبب طول الإجراءات، أو تعدد الجهات الرقابية، أو تضارب القوانين، أو بطء اتخاذ القرار الإداري. اللافت أن بعض هذه الدول يمتلك اقتصادات كبيرة أو موارد ضخمة، إلا أن الروتين الإداري يحدّ من قدرته على تحويل هذه الإمكانات إلى نمو حقيقي ومستدام.

الشركات الصغيرة والمتوسطة تُعد الضحية الأكبر للبيروقراطية، فبينما تمتلك الشركات الكبرى فرقًا قانونية وإدارية قادرة على التعامل مع التعقيدات التنظيمية، تجد الشركات الناشئة نفسها غارقة في إجراءات التسجيل والتراخيص والامتثال الضريبي. هذا الواقع يدفع كثيرين إلى العزوف عن الاستثمار أو اللجوء إلى الاقتصاد غير الرسمي، ما يحرم الدول من عوائد ضريبية وفرص عمل ويقوّض الثقة في بيئة الأعمال. ولا يتوقف تأثير البيروقراطية عند حدود الاقتصاد المحلي، بل يمتد إلى الاقتصاد العالمي، ففي زمن العولمة، يقارن المستثمرون بين الدول بناءً على سرعة الإجراءات ووضوح القوانين واستقرارها. دولة واحدة ذات منظومة إدارية معقدة قد تخسر استثمارًا استراتيجيًا ينتقل ببساطة إلى دولة أخرى أكثر مرونة وشفافية، وهكذا، تتحول البيروقراطية من أداة تنظيم إلى عامل طارد لرؤوس الأموال. المفارقة أن الحلول معروفة، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية وإدارية حقيقية.. رقمنة الخدمات الحكومية، وتبسيط التشريعات، وتوحيد جهات الاختصاص، وتقليص المدد الزمنية للإجراءات، كلها خطوات أثبتت التجارب الدولية قدرتها على خفض تكلفة البيروقراطية وتحسين مناخ الاستثمار، كل إجراء يُبسَّط، وكل نافذة خدمية تُوحَّد، تعني وقتًا أقل ضائعًا ومالًا أكثر توجيهًا للإنتاج. في عام 2025، لم تعد البيروقراطية مجرد مشكلة إدارية، بل أصبحت قضية اقتصادية بامتياز. ومع اشتداد المنافسة العالمية، فإن الدول التي لا تعالج هذا العدو الصامت ستجد نفسها خارج سباق التنمية، مهما امتلكت من موارد أو طموحات.

فالاقتصاد لا ينمو بالأوراق المختومة، بل بالقرارات السريعة، والإدارة الرشيدة، والرؤية الواضحة.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 5 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 3 ساعات
منصة CNN الاقتصادية منذ 9 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 5 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 3 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ ساعتين
صحيفة الاقتصادية منذ 3 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعتين
قناة CNBC عربية منذ 9 ساعات