خسارة الجولان عام 1967 ارتبطت بغياب الاستعداد والقرار السياسي وسوء إدارة المعركة، أكثر من تفوق القوة وحده... فهل ضاع الجولان بخلل عسكري أم بإرادة سياسية غائبة؟ وما خيارات سوريا المتاحة لإعادة طرح الملف؟

ملخص السؤال اليوم ليس عن الخريطة المجردة بل عن توظيفها السياسي والسيادي ضمن ما أقرته التشريعات الدولية، وضمناً حدود "سايكس بيكو" (1916) ووعد بلفور نفسه (1917)، سوريا الآن تواجه خطر خرائط متعددة، وليس خطر ابتعاد الجولان وحيدة. وكما يرى خبراء السياسة، فإن وضع الجولان الحالي على طاولة التفاوض هو تنازل ستتبعه تنازلات كثيرة.

كثيراً ما كان الجولان السوري المحتل منذ عام 1967 موضع نقاش ضمن سياق الإعلانات السياسية، ما كان صريحاً منها أو ما يدور من تحت الطاولة في ضوء قرارات مجلس الأمن المتعلقة به، أو حتى خلال مفاوضات مدريد خلال العقد الأخير من القرن الماضي.

LIVE An error occurred. Please try again later

Tap to unmute Learn more انتزاع السيادة على الجولان بالقوة من قبل إسرائيل جعل سوريا تبدو على الدوام كبلد منقوص المساحة والسيادة، وهو الممتلئ يوماً بخسارة لواء إسكندرون لمصلحة الأتراك عام 1939. اليوم، يبدو النقاش عن الجولان أكثر غرابة وتخلياً، وتبدو الأرض هناك بوصفها الجغرافي والمعنوي محط تفاوض تُبنى عليه أوراق مستقبلية جديدة وتُمنح من خلاله امتيازات متعددة. وها هو أخيراً ترمب يعلن بصورة أحادية سيادة إسرائيل الكاملة على الجولان في مخالفة واضحة وصريحة وعلنية لمواثيق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وضمناً القانون الدولي الناظم للعلاقات الدولية والاتفاقات المبرمة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

"أخيراً بدأ الحديث عن الجولان نفسه يبدو أمراً محرجاً سياسياً لسوريا نفسها" كما يقول المستشار السياسي عامر عيسى، مضيفاً "ثمة صمت يشبه التخلي أو عدم المطالبة، التنازل الضمني مثلاً مقابل ما لا يعرفه السوريون عن خفايا الأمر، لا حرب ولا حدود ولا تهديدات ولا تصريحات قاسية وحازمة ولا مواقف أممية فعلية ولا صوت مرتفعاً، بل إن نتنياهو بات يتجول في الجنوب السوري رفقة قادته بعيداً من الجولان حتى، ووصلت قواته بعد سيطرتها على جبل الشيخ إلى مناطق جديدة في القنيطرة ودرعا وريف دمشق. اليوم لا يمكن اعتبار الخريطة المثبتة أداة سيادة فحسب، بل هي موضع تعريف سياسي حدودي، وما يُنسى يصبح مع الوقت خارج إطار الذاكرة الجمعية نفسها للشعب صاحب الحق، بل يدفع للاعتياد على قوة أمر واقع تظل تتراكم وصولاً لاستحالة رفضها لاحقاً".

إعادة تعريف الدولة السؤال اليوم ليس عن الخريطة المجردة، بل عن توظيفها السياسي والسيادي ضمن ما أقرته التشريعات الدولية، وضمناً حدود "سايكس بيكو" (1916) ووعد بلفور نفسه (1917). سوريا الآن تواجه خطر خرائط متعددة، وليس خطر ابتعاد الجولان وحيدة، وكما يرى خبراء السياسة فإن وضع الجولان الحالي على طاولة التفاوض هو تنازل ستتبعه تنازلات كثيرة.

ما يحدث اليوم يعد إعادة تعريف شامل لمفهوم سوريا نفسها استناداً إلى واقع جديد يضعها في خانة الكيان السياسي القابل للاستهلاك محلياً وإقليمياً ودولياً، بل وعرضة للقبول بالاحتلال والتعايش معه بدل المطالبة بتمرير السيادة الشرعية الكاملة بكل ما يترتب عليها من حقوق وواجبات، استناداً إلى رغبة الجولانيين التاريخية أنفسهم برفض الهوية الإسرائيلية والجنسية معها وتمسكهم بوطنهم الأم سوريا. لكن مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة عدَّ زيارة نتنياهو وتجواله أخيراً داخل الجنوب السوري انتصاراً لبلاده، "لأنهم دفعوا كبير إسرائيل للقدوم بنفسه إلى الأرض".

إذا نُظر إلى ملف الجولان بعين قانونية بحتة ومجردة فيتضح أن الأمر محسوم بصورة كبيرة لمصلحة سوريا نفسها التي تتكل على الاعتراف الأممي الواضح باعتباره أرضاً محتلة لا يؤثر احتلالها في هويتها الأم، ومن هنا يمكن الاستناد إلى القرار 242 لعام 1967 الصادر عن الأمم المتحدة والذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان، وكذلك قرارات أخرى تدور في الفلك ذاته، ويفترض أن جميعها ملزم وملح للتنفيذ، لكن ذلك لم يحصل فعلياً.

سوريا الجديدة اليوم لا تعكس هذه الشرعية الدولية وقراراتها ضمن خطابها الرسمي والإعلامي والدبلوماسي أمام الواقع السياسي الراهن، وفي هذا الصدد يرى المحامي المتخصص في القانون الدولي مازن المحمد أن "تجاهل القوانين الأممية التي تنص على السيادة الكاملة لسوريا أخطر من تجاهل المطالبة بتطبيقها حتى، لأنه تغافل مقصود ومتعمد، ولأن ذلك يعكس صورة أن الجولان بالنسبة إلى السوريين أصبح من المنسيات المسلمات، بالتالي يحمل معه حقوقاً ساقطة بفعل عدم الإثارة العلنية للملف في كل موقف ومحفل ومناسبة".

ويتابع "هذه التصرفات على الأرض وفي السياسة المحلية لا تلغي القرارات الدولية ولا تؤثر فيها، ولكن المشكلة أن صاحب الحق لا يطالب به، وهذا في القانون إهمال والإهمال اعتراف بأمر واقع لا تقاد ضده حملات قانونية اعتراضية، فيصير الحق ملفاً مؤجلاً لسلطات لاحقة ما لم تبرم في شأنه اتفاقات مع سلطة حالية قد تورث من يخلفها مصائب سيادية ضمن لحظات كان يمكن فيها تكريس السيادة لا تقليصها أو التنازل عنها".

اختبار الجرأة السياسية موقف السلطات السورية المبكر من ملف الجولان كان بمثابة اختبار للحدود التي تمتلك ضمنها هامش المناورة في ملفات السيادة الجغرافية والسياسية والقانونية، وقد يعود ذلك للحصار المحلي الإقليمي الدولي على السلطة الجديدة في إطار المطالب الواسعة منها، والتي قد تكون دفعتها للتمهل في معالجة قضايا شائكة للغاية كالمطالبة بالجولان، كما يرى فريق يبرر لسلطة الشرع تحركاتها ضمن هذا الإطار.

خلال الوقت ذاته يُجمع بعض المتابعين المهتمين بالملف على أنه "ثقيل للغاية على سلطة وليدة ما زالت لا تمتلك الأدوات الشرعية والتشريعية اللازمة من الاعتراف الدولي التام بها، وصولاً إلى وجود مجلس نواب منتخب بصورة فعلية، مروراً بصراعات محلية عنيفة".

الأستاذ في العلوم السياسية عبدالرحمن عمر يقول إن "ملف السويداء بحد ذاته شبه مُعجز اليوم، فكيف بملف الجولان العالق منذ عام 1967؟ وعلى رغم ذلك يجب أن تكون مسارات تحصيل حقوق الدولة بمفهومها الوصفي قائمة بالتوازي حتى التمكن من إحراز تقدم فعلي في الموقف العام والرؤية البعيدة. المشكلة الآن لا تتعلق بالعجز فحسب، بل بطريقة إدارة هذا العجز وبطريقة اختيار الكفاءات التمثيلية أممياً وتشريعياً بعيداً من ولاءات العقيدة التي يمكن أن تضيع ما تبقى من حقوق للبلاد، في الأقل يجب أن يكون هناك تثبيت موقف واضح دولياً حول هذه القضايا، لا اعتبار انتهاك نتنياهو وتجواله في سوريا انتصاراً".

حدود الخطاب السياسي السوري اليوم واضحة للغاية، ويمكن اقتحام العمق الداخلي ومشكلاته ومحاولة إيجاد حلول مرحلية له، لكن ملف الجولان غير مرغوب بفتحه حالياً، ولا حتى الرد على تأكيد ترمب اعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان، والتي جاءت بعد فترة قصيرة من زيارة قيادة سوريا الجديدة لـ"البيت الأبيض"، وربما يعني ذلك أن البراغماتية في هذه الأحوال أهم من الرمزية الوطنية، بما يعيد تعريف المفهوم الوطني الشامل على الخريطة بما هو متاح لا بما هو حق أصيل، وأثار سوريون تساؤلات حول هذا الجانب المتغاضى عنه أثناء لحظات التأسيس، فهل يمكن أن تمتلك السلطة الجديدة أدواتها مستقبلاً للدفاع عنه؟

استغلال القوة خلال نحو ستة عقود عملت إسرائيل على ترسيخ واقع جديد في الجولان عبر نقله ضمن قنوات أمنية من دائرة منطقة النزاع السيادي إلى منطقة المساحة المستقلة إدارياً وسياسياً وأمنياً، والتي تتبع لها كاملة ضمن مبدأ السيادة الكاملة على امتداد ما قامت بقضمه داخل المنطقة تدريجاً، وهذا التحول شبه التام ساعد فيه غياب الفاعلية السورية عبر تعنت سلطات سابقة وصمت سلطات لاحقة.

إسرائيل استغلت كل تلك.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 4 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ ساعة
قناة العربية منذ 18 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ 16 ساعة
قناة العربية منذ 17 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 6 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 7 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 23 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 12 ساعة
قناة العربية منذ 14 ساعة