ترمب والحرب والركود وأثر غزة والشيخوخة.. أوروبا أمام اختبارات صعبة في 2026

لم تكن لحظات البناء الكبرى، مثل تأسيس الجماعة الأوروبية للفحم والصلب عام 1951 بعد الحرب العالمية الثانية، أو توقيع معاهدة "ماستريخت" عام 1992 عقب سقوط جدار برلين، سوى خيارات واعية لقادة أوروبيين قرروا المضي في مسار التوحد والتكامل.

لكن اليوم، يبدو أن الاتحاد ينجرف تحت وطأة فشل مؤسساتي عميق وانقسام داخلي قد يؤدي إلى احتمالات مختلفة، من بينها التفكك ونهاية حقبة الوحدة.

‎ويدخل الاتحاد الأوروبي العام 2026، وهو يواجه أزمة وجودية متعددة الأبعاد، لا تقتصر على ضغط خارجي واحد، كالحرب الروسية الاوكرانية أو سياسات الإدارة الأميركية الجديدة، بل تجمع أيضاً بين تحديات سياسية بنيوية، وركود اقتصادي حاد، وضعف عسكري متزايد، واختلال ديموغرافي خطير، وأزمة أخلاقية تقوض شرعية المشروع ذاته. كل هذه العناصر تُهدد مؤسسات الاتحاد من الداخل كما استقراره في الخارج.

ويؤكد تقرير "المخاطر العالمية للاتحاد الاوروبي في 2025" الذي أصدره المعهد الأوروبي للدراسات الأمنية هذا التشخيص المقلق، محذراً من "بيئة جيوسياسية غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، تجمع تصاعد التوتر الأطلسي وضغوط الهجرة والركود الصناعي، وتراجع ثقة مخيف في المؤسسات الأوروبية".

وفي محاولة لاستشراف مستقبل الاتحاد الأوروبي في ضوء التحديات الكبرى التي يواجهها، تحدثت "الشرق" مع عدد من الخبراء والباحثين في المجال السياسي، لتفكيك عمق الأزمات التي تعيشها منظومة اليورو، وهي تدخل عامها الـ33.

ورأى المفكر البلجيكي والمستشار السابق للرئاسة الأوروبية مارك لويكس، وخبير الاقتصاد السياسي الإيطالي فرانسيسكو شيتينو من جامعة كامبانيا، أن التشخيص الجوهري للأزمة الاوروبية يُشير إلى أنها تتمثل في "قيادة سيئة للغاية"، حيث اعتبرا أنه "إذا واصل الاتحاد بالقيادة الحالية، فهو متجه حتماً نحو الانتحار والانهيار.. ولذلك علينا التخلص سريعاً من هذه القيادة".

وقال الخبيران إن تغيير منظومة القيادة في أوروبا يُعد امتداداً لحرب الرئيس الأميركي دونالد على ما يعرف بـ"الدولة العميقة"، ودعيا إلى التخلص من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والمستشار الالماني فريدريتش ميرتس، إضافة إلى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وأطلقا عليهم وصف "عصابة الأربعة".

ويعتقد لويكس، مدعوماً بتحذير شيتينو، أن "الاتحاد الأوروبي ينهار بشدة بالفعل، ويواصل انحداره التدريجي منذ سنوات".

خلل البنية.. هيئات غير منتخبة تُقرر مصير الشعوب

في محاولة لتشخيص الخلل الذي يعاني منه الاتحاد الأوروبي، أوضح لويكس أن "جوهر المشكلة يكمن في البنية المؤسساتية نفسها، فالمفوضية الأوروبية كانت ضرورية في سبعينيات القرن العشرين، لكن بعد عقود تحولت إلى هيئة غير منتخبة تملك سلطة تشريعية وتنفيذية هائلة، مما أحدث خللاً بنيوياً يجعل البرلمان والمجلس أداة تنفيذية بلا مساءلة ديمقراطية حقيقية".

ودعا الخبير البلجيكي إلى إبرام "معاهدة أمستردام جديدة تعيد السلطة التشريعية إلى البرلمان، والتنفيذية إلى مجلس الوزراء، وتسعى لبناء وحدة تحترم التنوع، وتُدرك أولويات الأوروبيين والثقافة المشتركة".

بدوره، اتفق شيتينو مع هذا التحليل، وقال إن "القيادة الأوروبية هي انعكاس لأزمة أعمق في بنية النظام"، لافتاً إلى أن قادة مثل فون دير لاين وماكرون وميرتس، "يقفون على أرضية هشة جداً، حيث لا تتجاوز نسب تأييدهم أحياناً 10 إلى 15% مع معدلات عدم رضا تتجاوز 75 إلى 84%.

وتدعم هذا القول استطلاعات "Eurobarometer" لعام 2025، حيث رفض 54% من الأوروبيين توسيع صلاحيات المفوضية، واعتبر 61% أن السياسات الاقتصادية "لا تخدم مصالحهم".

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً

أوروبا على أعتاب 2025.. تحديات تهدد وحدة القارة العجوز

تواجه أوروبا في عام 2025 تحديات داخلية وخارجية أبرزها تأثير عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وقضايا الهجرة، والتصعيد في أوكرانيا والضغوط على الوحدة الأوروبية.

وحذّر لويكس بوضوح من أن "انهيار الاتحاد بات وشيكاً، وربما يحصل بسرعة خلال أشهر قليلة"، مؤكداً أن "هذا التقييم القاتم ليس مبالغاً به بقدر ما هو استقراء لاتجاهات حقيقية تشهدها القارة، حيث أصبحت الفجوة بين النخب والشعوب هائلة".

الاقتصاد: من قوة صناعية إلى استهلاك بلا نفوذ

بعد 3 سنوات من الحرب الأوكرانية، لا يزال الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى رؤية استراتيجية موحدة، وهو ما أورده تقرير المعهد البريطاني الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) بعنوان "غياب التماسك" في دعم أوكرانيا، حيث أشار إلى أن كل دولة تُحدد مبررات خاصة بها، مما يعيق توفير الدعم المستدام، وهو ما دعا بعض الخبراء إلى دق ناقوس الخطر من اتخاذ "قرارات اقتصادية كارثية".

وقد وصف لويكس الانتقال إلى سياسات العسكرة بأنه "خطأ جيوسياسي فادح"، ذلك أن "الاتحاد الأوروبي يسير بعكس التيار المتجه نحو السلام الذي يقوده الرئيسان الأميركي والروسي"، والأسوأ، وفق رأيه، أن "الأوروبيين لا يملكون المال الكافي للإنفاق العسكري".

أما شيتينو، قال إن "أوروبا التي تقترب من عتبة 800 مليار يورو في الإنفاق على التسلح، وتستقطع هذه الأموال من الرفاه الاجتماعي والمدارس والمستشفيات"، محذراً من أن الاتحاد يندفع نحو "اقتصاد مسلح يستهلك طاقاته الداخلية لحماية أمن خارجي متوهم".

وبحسب تقرير الوكالة الأوروبية للدفاع (سبتمبر 2025)، بلغ الإنفاق 343 مليار يورو في 2024 (1.9% من الناتج الإجمالي)، وتوقع التقرير إنفاق 381 مليار في 2025، مع هدف تراكمي 800 مليار يورو عبر خطة "إعادة تسليح أوروبا 2030" بقروض إضافية.

وتتجه مساعي الاتحاد الأوروبي للإنفاق على التسليح بخط متواز، لكنه معاكس لمجموعة إجراءات اتخذت منذ اندلاع الحرب، وأدّت إلى الحد من القدرات المالية لمنظومة اليورو.

أوروبا والعقوبات الروسية

واعتبر لويكس أن "العقوبات على روسيا كانت وصفة للفشل، لأن الاتحاد، وعوضاً عن إضعاف الاقتصاد الروسي، أصاب اقتصاده باضرار جسيمة".

من جانبه، قال شيتينو إن الاتحاد الأوروبي غيّر سياسته الاقتصادية كلياً بعد 2022، منفصلاً عن الطاقة الروسية، وتابع: "عندما تدفع أسعاراً أعلى للنفط الذي يُشكل أساس كل اقتصاد حديث، فإنك تُغير جذور منظومتك، والنتائج واضحة: تراجع الناتج الألماني 0.2% في 2025 مع نمو ضعيف 1.3% متوقع في 2026، فيما تجاوزت خسائر التصدير 30 مليار يورو.. وبالتالي أوروبا، سياسياً، لا تستطيع الانفصال عن الولايات المتحدة، رغم أن من مصلحتها الاقتصادية التواصل مع آسيا ومبادرة الحزام والطريق".

وأضاف: "تبدو أوروبا، وسط هذا الواقع السياسي والاقتصادي، عالقة بين نموذجين متصارعين (الأميركي والآسيوي)، من دون وحدة سياسية أو اقتصادية داخلية، حيث من جهة، لا تريد الولايات المتحدة أبداً أن ترتبط أوروبا بالصين أو روسيا، ومن جهة أخرى، منطقة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية الكبيرة مهمة جداً للنخبة الحاكمة في الولايات المتحدة".

ويتابع: "يمكننا القول إنهم (الأميركيون) يريدون أموال شعوبها (أوروبا)، لكن بدون مشكلة إدارة سياسية.. ادفعوا ولا تتدخلوا في التفكير".

موجة ترمب.. إعادة هيكلة أميركية وعزلة أوروبية

مع عودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية، واجه الاتحاد الاوروبي تحدياً جديداً ومعقداً يختلف في طبيعته عن السياسات السابقة.

وفي هذا الإطار، يشرح لويكس الديناميكية الجديدة: "برأيي، وجود شخصية قوية في البيت الأبيض يمكن أن يكون أمراً جيداً.. لا أقول إنه مثالي، لكن في نظري ترمب وبوتين يريدان صنع السلام، حيث يخوض الأول معركة ضد ما نسمّيه الدولة العميقة، أي شبكة من المصالح والأجهزة والمؤسسات الخفية التي تتحكم في القرار السياسي من وراء الستار، والوحيدون تقريباً الذين لا يقاتلونها اليوم هم بعض قادة أوروبا الحاليين".

وأضاف: "سمعنا مسؤولين أميركيين سابقين في الاستخبارات يقولون إن جهاز الاستخبارات المركزية القديم (CIA) كان يحمي العديد من السياسيين الأوروبيين البارزين، ويُعطل مسار التحقيقات والمحاكمات، أما الجيل الجديد من هذا الجهاز، فيقول إنه سيفعل العكس، وإن سقوطهم مجرد مسألة وقت، وقد تجد بعض الأسماء الأوروبية الكبرى نفسها مضطرة للمغادرة تحت ضغط سياسي أو قضائي".

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً

محاولات أوروبية للخروج من "ظل" الولايات المتحدة.. والأنظار نحو "ميركوسور"

أعاد هجوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب على القارة الأوروبية وقادتها، إحياء مساعي الاتحاد الأوروبي للتعامل بجدية مع تنويع علاقاته الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

ورأى لويكس أن "استراتيجيّة ترمب تقوم على إظهار سوء الإدارة الأوروبية الحالية"، وتابع: "حتى في عهد.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من الشرق للأخبار

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من الشرق للأخبار

منذ ساعتين
منذ ساعة
منذ 10 ساعات
منذ 12 ساعة
منذ 45 دقيقة
منذ 11 ساعة
قناة العربية منذ 15 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 13 ساعة
قناة العربية منذ 17 ساعة
قناة العربية منذ 13 ساعة
قناة العربية منذ 12 ساعة
قناة العربية منذ 18 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ 17 ساعة
اندبندنت عربية منذ 15 ساعة