أغلبنا يظن أن إطار السيارة منتج ناضج. شيء وصل إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه. دائرة سوداء، مطاط، بعض التعقيد الكيميائي، وانتهى الأمر. لكن كلما تعمّقنا في ما تفعله شركة الإطارات Michelin اليوم، أدركنا أن هذا الافتراض كان خاطئاً.
الإطار لم يعد قطعة مطاط، بل أصبح وثيقة صناعية، بياناً اقتصادياً، واختباراً حقيقياً لمدى جدية الشركات عندما تتحدث عن الاستدامة.
إطار سيارة رياضية من نوع ميشلان بايلوت سبورت إندورانس موديل 2026
من مطاط طبيعي إلى كيمياء ذكية
أكثر ما يلفت في الجيل الجديد من إطارات Michelin Pilot Sport Endurance ليس الأداء، ولا الاسم، بل المكونات. هنا، يبدأ الإطار في فقدان هويته التقليدية، ويكتسب شخصية جديدة في عالم السيارات.
مطاط طبيعي، نعم. هذا متوقّع.
لكن قشور البرتقال؟ وزيت دوّار الشمس؟ وكربون أسود مُستخرج من إطارات انتهى عمرها الافتراضي؟
نحن لا نتحدث عن حيلة تسويقية لطيفة، بل عن إعادة تصميم سلسلة التوريد نفسها. فبدل الاعتماد على مشتقات بترولية عالية الكلفة البيئية، تُعيد ميشلان تدوير النفايات الزراعية والصناعية وتحويلها إلى مواد فعّالة هندسياً.
وهنا تكمن النقلة النوعية: الاستدامة ليست مضافة على المنتج، بل مدمجة في بنيته.
50% مواد متجددة.. لماذا هذا الرقم مهم؟
قد يبدو الرقم متواضعاً للبعض. خمسون في المئة فقط. لكن صناعياً، هذا رقم ثقيل. رفع نسبة المواد المتجددة أو المعاد تدويرها في منتج يخضع لدرجات حرارة وضغط وقوى قصوى، دون التضحية بالثبات أو الاتساق، هو كابوس هندسي. ولهذا تحديدًا تم تأجيل إطلاق الإطار عامًا كاملًا.
الرسالة هنا ليست "نحن أخضر"، بل: نحن نعرف أن التغيير الحقيقي بطيء.. لكنه قابل للقياس.
إشارات مرور بيضاء.. كيف تغيّر السيارات ذاتية القيادة اقتصاد الازدحام؟
الإطار كأصل اقتصادي لا كقطعة استهلاكية
الزاوية التي لا تحظى بما يكفي من النقاش هي الاقتصاد.
الإطار، تاريخياً، منتج استهلاكي سريع الدوران. وكلما استهلكت أكثر، ربحت الشركة أكثر. لكن هذا النموذج بدأ ينهار. تقليل عدد الإطارات المستخدمة بنسبة تصل إلى 30% - وهو هدف مطروح على الطاولة - لا يخدم البيئة فقط، بل يعيد تعريف الربحية. ربحية أقل اعتماداً على الحجم، وأكثر اعتماداً على القيمة التقنية.
بعبارة أوضح: الشركات لم تعد تبيع "مطاطاً"، بل تبيع عمراً افتراضياً أطول، بيانات أفضل، وثقة تشغيلية أعلى.
من المختبر إلى الطريق: الرهان الحقيقي
ما يهمنا هنا ليس أين يُستخدم الإطار أولاً، بل أين سينتهي. ميشلان لا تطوّر هذه التقنيات بدافع أخلاقي صرف. هي تدرك أن السباقات - أو أي بيئة اختبار قصوى - ليست سوى مرحلة انتقالية. الهدف النهائي واضح: إطارات سيارات للطرق العادية، أقل اعتماداً على النفط، أكثر قابلية لإعادة التدوير، وأطول عمراً. وحين تعلن الشركة أنها تسعى للوصول إلى 100% مواد متجددة أو قابلة لإعادة التدوير بحلول 2059، فهي لا تطلق وعداً شاعرياً. بل ترسم مساراً صناعياً طويل النفس، يبدأ اليوم عند 31%، ويستهدف 40% بحلول 2030.
هذه ليست ثورة. بل إصلاح جذري بطيء.. وهذا ما يجعلها أكثر مصداقية.
لماذا هذا التحول مهم فعلاً؟ لأن الإطار هو أكثر مكونات السيارة تكراراً في الإنتاج والاستبدال. وأي تحسين بسيط في مواده أو عمره الافتراضي، يُترجم إلى أثر بيئي مضاعف على مستوى العالم. إذا أردت أن تبحث عن الاستدامة الحقيقية في قطاع السيارات، فلن تجدها في الشاشات أو البرمجيات. ستجدها هنا، في هذه الحلقة السوداء التي تلامس الأرض.
"التوجيه الذكي".. هل تفرغ هوندا قيادة الدراجات من روحها باسم السلامة؟
الإطار مرآة الصناعة.
الإطار ليس كعكة، لكنه، مثلها، يكشف طريقة التفكير خلفه. وفي حالة ميشلان، ما نراه اليوم ليس مجرد منتج جديد، بل تحوّل في الفلسفة: من الاستهلاك إلى الاستدامة، من الكم إلى النوع، ومن الأداء اللحظي إلى القيمة طويلة الأمد.
هذه ليست قصة سباق. هذه قصة صناعة تعيد النظر في نفسها.. من نقطة التلامس الأولى مع الأرض.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس

