حصل المغرب أخيرا في 2025 على الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء بعد عقود من الصراع، كما استطاع تحقيق العديد من المنجزات على المستوى الرياضي أبرزها التتويج بكأس العرب وتنظيم كأس إفريقيا، وشهدت السنة كذلك تجاوز محنة الاحتجاجات الشبابية وعددًا من الكوارث الطبيعية.ويصف سعيد الصديقي أستاذ العلاقات الدولية 2025 بأنها سنة تاريخيّة بالنسبة للمملكة، فقد حققت فيها أكبر إنجاز سياسي وديبلوماسي بعد إنجاز المسيرة الخضراء عام 1975، وستكون له انعكاسات مباشرة خلال السنة المقبلة.وعلى مستوى السياسة الخارجية عمومًا فقد عزّز المغرب مكانته، الإقليمية مع استمرار الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة عسكرياً وأمنياً، وتحقيق حضور متقدم في القضايا الإفريقية مما جعله لاعبًا إقليمًا أساسيًا كما يؤكد الخبير في الشؤون الإستراتيجية لحسن أقطيط لمنصة المشهد.
ورغم تعدد التحديات الاجتماعية والاقتصادية، لم يعرف المغرب في 2025 هزات سياسية كبرى أو انزلاقات مؤسساتية.
ويعكس ذلككما يشرح لعروسي خبير الأزمات والشؤون الأمنية، استمرار منطق الضبط الهادئ الذي يميّز النموذج المغربي، والقائم على امتصاص الاحتجاجات والأزمات الاجتماعية دون توسيع رقعتها.وفي الجانب الاقتصادي استطاعت المملكة أخيرا تحقيق نمو اقتصادي ملحوظ، فقد أظهرت بيانات غير رسمية نموًا قويًا سجله الاقتصاد المغربي خلال النصف الثاني من 2025، مع توسع في القطاعات الصناعية والخدماتية، وهو أعلى معدل نمو منذ عام 2021.
وتظل الإنجازات الرياضية من بين السمات الأبرز للسنة التي شارفت على الانقضاء، فيها توج المنتخب المغربي بكأس العرب ومنتخب الشبان بكأس العالم، وفي أيامها الأخيرة انطلق كأس إفريقيا للأمم التي ينظمها المغرب ويسعى بكل جهده للاحتفال بالفوز بها خلال 2026.
مكتسبات 2025
تميزت السنة بزخم دبلوماسي ملحوظ، تُوّج بصدور قرار جديد عن مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية، عزز من موقع مبادرة الحكم الذاتي كمرجعية أساسية في مسار التسوية، وكرّس توجها دوليا متناميا داعما للمقاربة المغربية.
وفي السياق ذاته، استثمرت الرباط في توسيع شبكة شراكاتها السياسية والاقتصادية، مستفيدة من موقعها الجغرافي ودورها المتزايد كفاعل إقليمي في إفريقيا وحوض المتوسط.
ويؤكد هذا المعطى لحسن أقطيط الذي يعتبر في تصريحه لـ"المشهد"، أن المملكة استطاعت أن تحقق اختراقا إستراتيجيا على المستويين السياسي والدبلوماسي، وجاء القرار الأممي ليرسخ موقع المغرب في المعادلة الاقليمية كقوة صاعدة في منطقة شمال وغرب إفريقيا.
عيد الوحدة الوطنية
وشكلت قضية الصحراء المغربية محورًا بارزًا في السياسة الخارجية للمغرب سنة 2025، وذلك بعد اعتماد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2797 في 31 أكتوبر 2025، الذي اعتبر خطة الحكم الذاتي المغربية تحت السيادة المغربية "الحل الأكثر واقعية وفعالية" لإنهاء النزاع في الصحراء، ودعا جميع الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات بناءً على هذا الأساس.
القرار، الذي لاقى دعماً من 11 من أصل 15 من أعضاء مجلس الأمن، بينما امتنعت روسيا والصين وباكستان، ولم تشارك الجزائر في التصويت، جدد كذلك ولاية بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصحراء (MINURSO) لمدة عام إضافي.
الملك محمد السادس رحّب بهذا القرار واعتبره نقطة تحول تاريخية في مسار القضية الوطنية، داعياً إلى حوار مباشر مع الجزائر سعياً إلى حل شامل يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة.
كما أعلنت المملكة اعتماد يوم 31 أكتوبر من كل سنة كـ "عيد للوحدة" تخليداً لهذا التطور الدبلوماسي المهم.
احتجاجات شبابية
عرفت سنة 2025 تصاعدا في الاحتجاجات الفئوية (طلبة، متدربون، أطر تعليمية، مهنيون)، مع حضور أكبر للشباب، خصوصًا المتأثرين بالظروف الاقتصادية وغلاء المعيشة.
فقد شهدت عدة مدن مغربية في أكتوبر احتجاجات قادها شباب تحت شعار "جيل زد"، مطالبين بتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، خصوصًا فرص العمل والخدمات الأساسية المتعلقة بالصحة والتعليم.
وقد تفاعل الملك محمد السادس بخطاب رسمي تناول مطالب الشباب، مما اعتبره مراقبون لحظة دستورية مهمة في التعامل مع المطالب الاجتماعية.
لكن اللافت هو غياب قيادة موحدة أو خطاب سياسي جامع للاحتجاج، وبقاء المطالب في الإطار الاجتماعي والاقتصادي لا السياسي.
والدلالة حسب المختص لعروسي أن المجتمع المغربي يعيش حالة ضغط اجتماعي مزمن، لكنه لم يبلغ بعد عتبة القطيعة مع المؤسسات، ما يمنح الدولة هامش مناورة، لكنه هامش يجب توسيعه بالكثير من الإصلاحات.
الاقتصاد جيد عموما
سجّل المغرب في 2025 تحسنًا نسبيًا في مؤشرات النمو، خصوصًا في الصناعة، السيارات، الطاقات المتجددة، مع استمرار جاذبية الاستثمار الأجنبي.
وفي خطوة إستراتيجية هامة، صادق البرلمان المغربي على قانون إحداث مؤسسة المغرب 2030، التي ستشرف على تنظيم وتدبير جميع التظاهرات الرياضية الدولية، ولا سيما استعداد المملكة لاستضافة كأس العالم 2030.
كما استضافت مدينة الدار البيضاء مؤتمرات دولية كبرى حول الطاقة الذكية والتكنولوجيا، جمعت خبراء وصناع قرار من 23 دولة، في إطار التحول الطاقي والاقتصادي للمملكة.
وواصل المغرب تعزيز شراكاته السياحية، إذ حصل على تصنيف متقدم كشريك سفر متميز في 2025، ما يعكس نمو القطاع السياحي وأهميته في الاقتصاد الوطني.
الإنجازات الرياضية
وتبقى 2025 سنة الإنجازات الرياضيّة بامتياز، إذ يستضيف المغرب النسخة 35 من بطولة كأس أمم إفريقيا، بمشاركة منتخبات القارة وإقبال جماهيري واسع، مع حفل افتتاح مبهر أقيم في 21 ديسمبر، بحضور رسمي وشعبي كبير.وتتويج المغرب بلقب كأس العرب 2025 حين فاز المنتخب المغربي بلقب كأس العرب لكرة القدم بعد فوزه على الأردن بنتيجة 3-2 بعد وقت إضافي، وهو إنجاز رياضي بارز خلال العام.كما تُوّج المنتخب المغربي بلقب كأس العالم للشباب بعد فوزه على الأرجنتين 2-0 في المباراة النهائية التي أُقيمت في ملعب خوليو مارتينيس برادانوس في سانتياغو، بحضور أكثر من 40 ألف متفرج.هذا التتويج التاريخي أشعل الاحتفالات في شوارع المغرب التي امتلأت فرحًا بالإنجاز.كما لقي الحدث تفاعلاً واسعاً في العالم العربي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.بهذا الإنجاز، أصبح المغرب أول بلد عربي وثاني بلد أفريقي يحرز لقب كأس العالم للشباب.ولم تكن التظاهرات الرياضية في 2025 مجرد أحداث رياضية، بل أدوات قوة ناعمة، رسائل سياسية عن الجاهزية التنظيمية والاستقرار، الرياضة هنا كما يؤكد الخبراء تُستعمل كرافعة سياسية ودبلوماسية، لا كقطاع معزول للترفيه.فواجع 2025
في 10 ديسمبر 2025، شهدت مدينة فاس وسط المملكة انهيار بنايتين سكنيتين، مما أسفر عن قتلى وجرحى، وأثار تحقيقات وطنية بشأن أسباب الحادث واحترام معايير البناء.
ورسمت الفيضانات التي شهدتها مدينة آسفي ملامح كارثة حقيقية، بعدما غمرت المياه عددا من المنازل، متسببة في 37 قتيلا وخسائر مادية جسيمة، خصوصًا على مستوى البيوت القديمة، كما عمّقت من معاناة الأسر المتضررة التي فقد بعض أفرادها ذويهم خلال هذه الفاجعة الأليمة.
وطرح سؤال التعويضات زمن الكوارث، غير أن الإعلان عن القرار الملكي القاضي بإعادة تأهيل المدينة كان له وقع خاص في نفوس الساكنة، إذ خفف من وطأة الصدمة، وأعاد شيئاً من الأمل في انتظار تحسن الأوضاع في القريب العاجل.
ويرى المتضررون في هذا القرار الملكي بادرة إيجابية تعكس العناية الملكية بالفئات المتضررة، معبرين عن تطلعهم إلى أن تترجم هذه الخطوة إلى إجراءات عملية تعيد الاستقرار إلى بيوتهم، وتغير واقعًا قاسيًا فرضته تداعيات الفيضانات.
توقعات 2026
2026 لن تكون سنة عادية لأنها تسبق الانتخابات التشريعية مع نهاية الولاية الحكومية، كما تأتي في منتصف التحضير لكأس العالم 2030.
وتُختبر فيها قدرة الدولة على تحويل الاستقرار إلى مكاسب اجتماعية كما قد تشهد ارتدادات إقليمية (غزة، الساحل، أوروبا) كما يشرح الخبير الصديقي.
انفراج مع الجزائر؟ويتوقع الخبير الإستراتيجي سعيد الصديقي، أن السنة القادمة ستكون حاسمة في قضية الصحراء، خصوصا على مستوى الاستثمارات القادمة من بلدان كانت تتخوف في السابق من ضخ أموالها في الأقاليم الجنوبية المغربية، بسبب حساسية الموقف الدولي والتي زالت الآن بعد قرار مجلس الأمن.
أما العلاقات مع الجارة الجزائر فيبقى متشائما بخصوص تحقيق انزياح إيجابي فيها.
ويعود سبب تشاؤم الصديقي إلى طبيعة العلاقات بين البلدين و"المحطات الأليمة" في تاريخهما المشترك وكذلك طبيعة النظام الجزائري، ويضيف "لست متفائلًا بحدوث تطبيع كامل في العلاقات بين البلدين".
انتخابات معقدة
وتستعد الساحة السياسية المغربية لخوض استحقاق تشريعي مهم في نهاية سنة 2026، في ظل مشهد معقد يحمل في طياته مؤشرات تشكل فرصًا وتحديات في آن واحد لكل الأحزاب.
ويتقاطع التحليل السياسي للمشهد الراهن حول الانتخابات المقبلة بين عدة عوامل داخلية موضوعية، تُظهر اضطراباً في الثقة العامة في المؤسسات السياسية من جهة، وسباقًا محمومًا على إعادة ترتيب الخريطة الحزبية وبرامجها من جهة أخرى.
وتشير بيانات واستطلاعات رأي حديثة إلى تراجع واضح في ثقة المغاربة بالمشهد الحزبي التقليدي، حيث أعربت شريحة كبيرة من الناخبين عن إحساس باللامبالاة أو التردد تجاه المشاركة في الاقتراع، في ظل ارتفاع نسب عدم الثقة في الأحزاب والبرلمان، خصوصًا بين فئات الشباب.
ويرى محللون أن الأغلبية الحاكمة الحالية تواجه اختبارًا صعبًا لاستعادة ثقة الناخبين، خصوصًا مع ترجيح بعض التقارير تراجع دعم "حزب التجمع الوطني للأحرار" وغيره من الأحزاب التقليدية، في حين تسعى مجموعات سياسية أخرى، بما في ذلك "حزب العدالة والتنمية" وحلفاء يساريين، إلى إعادة توسيع نفوذها عبر تحالفات وتكتلات قد تغير قواعد التنافس في المرحلة المقبلة.
ووفق أغلب القراءات التحليلية المتداولة في أوساط خبراء السياسة والباحثين في الشأن الانتخابي، يُرجَّح أن تُفرز انتخابات 2026 برلمانًا شديد التشتت دون أغلبية مريحة، ما سيجعل منطق التحالفات عاملًا حاسماً في تشكيل الحكومة المقبلة.
ويبقى السيناريو الأكثر تداولًا بين الخبراء هو أن انتخابات 2026 لن تفرز "فائزًا كاسحًا"، بل ستؤسس لمرحلة سياسية عنوانها التوازن الهش، وتعدد مراكز القوة داخل البرلمان، وحكومة قائمة على التوافق أكثر من التفويض الشعبي الواسع.
ختامه رياضة كذلك..وبعيدا عن تعقيدات السياسة، يتطلع المغاربة لإنجاز رياضي جديد، وتحقيق نبوءة فيرون موسينغو أومبا الكاتب العام للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) الذي قال إن كأس إفريقيا للأمم، التي يحتضنها المغرب من 21 ديسمبر2025 إلى 18 يناير 2026، ستكون "أفضل نسخة على الإطلاق"، ولم لا الفوز للمرة الثانية بهذه الكأس، وتتويج المنتخب المغربي في 2026 هذه المرة في أرضه ووسط جماهيره.(المشهد)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
