سلطنة عُمان - أحمد صابر
على «أرض السلام»، «بلاد البخور والفضة»، «درة الأزمان»، المشهد مختلف، كل شيء متفرد بطبيعته، حينما تطأ قدماك أرضها لا تشعر بأنك تزور بلدا سياحيا تقليديا، بل عبرت إلى حقبة زمنية .. أنها سلطنة عمان «الوادعة»، حيث تسير الحياة بإيقاع نادر.. أكثر صفاء وأقرب إلى الفطرة، هنا لا تستعرض الطبيعة للزائر بتكلف، بل يستشعرها كما هي أصيلة، صادقة، جميلة تسر الناظرين.
على امتداد الجغرافيا العمانية، تتبدل المشاهد كفصول في كتاب مفتوح، من سواحل تترقرق عليها أمواج بحر العرب وخليج عمان، إلى سلاسل جبلية شاهقة، حيث الأرض تقترب من السماء، وتتسلل الغيوم لتلامس قمم الجبال في منظر أسطوري.. فلا تضاريس تتشابه، ولا زائر يمل من الإبهار، كل طريق يكشف عن لوحة مختلفة، وكأن البلاد تتحدث عن نفسها. «الأنباء» زارت عددا من وجهاتها السياحية بدعوة من وزارة التراث والسياحة العمانية، لتكتشف عبقرية «المكان والزمان» معا.
مدن السلطنة القديمة ذاكرة مفتوحة على قرون من العلم والحضارة والريادة، يفوح من أزقتها وبيوتها وأسواقها عبق التاريخ، كروائح البخور الذكية في صلالة ومسقط ونزوي، أما الحديثة منها فنموذج للجمع بين الأصالة والحداثة والهوية المعمارية الموحدة، وما يمنح التجربة العمانية روحها الحقيقية هو الإنسان الذي يتعامل مع الزائر كضيف له مكانة خاصة، فتجد الابتسامة حاضرة، والكلمة الطيبة سابقة دائما.
السياحة في عمان «عميقة الأثر»، تخاطب من يبحث عن المعنى قبل المبنى، والاستكشاف قبل الاستعراض، ليعود الزائر بذاكرة مشبعة بمشاهد لا تنسى، فالحديث عن تجربة السلطنة الثرية ذو شجون، لا يختزل بزيارة واحدة، وفي كل رحلة ترى وجها جديدا للجمال.. أكثر عمقا وأقرب إلى القلب.
على بعد نحو 170 كم من العاصمة مسقط كانت وجهة الوفد الإعلامي، حيث الجبل الأخضر بمحافظة الداخلية، فعلى ارتفاع نحو 3 آلاف متر عن سطح الأرض، تشاهد لوحة بديعة تجمع بين اعتدال الطقس واخضرار النباتات المتنوعة وبياض الغيوم، يمكن أن نطلق عليها «سياحة بين السحاب»، فيخيل للزائر انه يسبح بين السحب الكثيفة التي تمكث معظم ساعات اليوم عالقة بين السماء والأرض.
يشتهر الجبل الأخضر بزراعات متنوعة كالخوخ والمشمش والجوز والورود والتي لا تنمو في أي مكان آخر بالخليج العربي، كما تجود فيه زراعة الأشجار المتساقطة الأوراق كرمان الجبل الأخضر المميز، ويهتم سكانه بتربية الماشية ويزخر بالقرى القديمة مثل العقر والعين والشريجة والأفلاج المائية، بالإضافة إلى القلاع والحصون القريبة مثل «بيت الرديدة» وحصن جبرين، وغيرهما. لا يمكن اعتبار الجبل الأخضر سلسلة جبال فقط، بل تعتبر معقلا للعديد من القرى والأماكن التاريخية والثقافية مثل قرية العقر ذات البيوت الحجرية والمناظر الخلابة، و«العين» الشهيرة بالزراعة والأفلاج المائية القديمة.
رحلة التاريخ والجغرافيا
من الطبيعة إلى المتاحف والآثار، وفي المحطة الثانية من الزيارة، حط الوفد الإعلامي رحاله في محضن جمع بين عبقرية الزمان وجمال المكان، ليسرد للزائر علاقة التاريخ بالجغرافيا، انه متحف عمان عبر الزمان بولاية منح في محافظة الداخلية والذي افتتحه السلطان هيثم بن طارق في مارس 2023، ويرصد تاريخ الأرض العمانية منذ نحو 800 مليون سنة، ويعرف بالحقب التاريخية المختلفة التي شهدتها السلطنة مثل جيولوجيا الأرض والسكان الأوائل، وصولا إلى عصر النهضة. وذكر هارون بن عيسى من فريق المتحف انه يسلط الضوء على حضارة عمان عبر الزمان، وتاريخ السلطنة في العصر البرونزي، بوصفه مرحلة مفصلية في تشكل الهوية الحضارية العمانية، لافتا إلى أن عمان تميزت بعلاقاتها التجارية الواسعة مع حضارات كبرى مثل بلاد الرافدين ودلمون ووادي السند.
وأوضح بن عيسى أن المتحف يضم مجموعة من الأدلة التاريخية، من بينها وثائق ونقوش من بلاد الرافدين ورد فيها ذكر عمان، إضافة إلى إشارات للملوك والمعتقدات الدينية في تلك الفترة، كما يتناول القوارب العمانية القديمة، من خلال عرض مراحل بنائها المختلفة، والبضائع التي كانت تنقل عبرها.
«الرمال الذهبية»
إلى «الرمال الذهبية»، كانت المحطة الثالثة للوفد والأكثر إثارة في الرحلة، حيث صحراء بدية.. الوجهة السياحية الصحراوية الشهيرة بمحافظة شمال الشرقية، تتميز بكثبانها الرملية الذهبية الناعمة «رمال وهيبة» والتي توفر تجارب مثيرة لعشاق المغامرة مثل رحلات الدفع الرباعي، والتزلج على الرمال، وركوب الجمال، والتخييم في أجواء تراثية أصيلة، وتعد نقطة انطلاق مثلى لاستكشاف جمال الصحراء العمانية. وتحظى «بدية» بعوامل جذب سياحي وتراثي وشهرة محلية وخارجية فريدة أسهمت في تعزيز ما تمتلكه من مقومات تنفرد بها، حيث تمثل بوابة عبور لقوافل السياح إلى رمال الشرقية وتمتزج فيها روح الأصالة العمانية بالمعاصرة في تجانس فريد، ويرتبط أهلها بالموروثات والتمسك بالعادات وبعض الفنون التقليدية والمسابقات التي تقام خلال المناسبات الدينية والوطنية مثل عرضة الهجن والخيل، كما تحافظ على عدد من الصناعات اليدوية والتي تستخدم في إنتاجها مواد مرتبطة ببيئة الصحراء مثل صياغة الذهب والفضة، والخناجر ودباغة الجلود وغيرها.
فإذا كنت زائرا لـ «بدية»، يجب ألا يفوتك منظر غروب الشمس، حيث تنسدل أشعتها برفق فوق رمالها الذهبية لتشكل منظرا رائعا وذكرى تظل راسخة في الذاكرة، ولا تنسى أيضا تفريغ إطارات سيارة الدفع الرباعي من الهواء، لتستطيع التحرك بمرونة فوق كثبانها الرملية وتتسلق الجبال وتنزل.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الأنباء الكويتية
