ملخص تشير غالب المؤشرات إلى أن "الحكومة الموازية" أقرب إلى حالة سياسية انتقالية قصيرة العمر، تتحدد نهايتها بقدرة الأطراف على الانتقال من فرض الوقائع إلى بناء التسويات، في سياق إقليمي ودولي لم يعد يحتمل مشاريع رمزية بلا أفق مؤسسي مستدام.
أزمة الحكم في السودان مسار ممتد من الاختلالات البنيوية والتسويات المؤجلة، تعمقت أكثر إبان الإجراءات التي أعلنها الفريق أول عبدالفتاح البرهان في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، مما اعتبر انقلاباً على الفترة الانتقالية، التي جاءت بعد انتفاضة أنهت ثلاثة عقود من الحكم العسكري. ثم شكل الاتفاق الإطاري نقطة تماس هشة بين تصورات متباعدة للدولة والسلطة، كاشفاً عن حجم الانقسام العميق داخل بنية الحكم نفسها، مما أوصل السودانيين إلى الحرب في أبريل (نيسان) 2023. ومع استمرار الحرب وتآكل مؤسسات الدولة، برزت فكرة "الحكومة الموازية" إلى سطح المشهد السياسي بوصفها انعكاساً مباشراً لحالة الانسداد الشامل، وتعبيراً عن تعدد مراكز القرار وتآكل مفهوم الشرعية. يظهر هذا الطرح في سياق بالغ الاضطراب، تتراجع فيه الحدود الفاصلة بين الدولة واللا دولة، وتتزاحم السلطات على أنقاض المركز.
LIVE An error occurred. Please try again later
Tap to unmute Learn more في هذا المناخ القاتم، تتكاثر المبادرات السياسية خارج الحدود، وتتسارع التحركات الإقليمية والدولية المرتبطة بأطراف سودانية تسعى إلى إعادة التموضع وسط الفوضى. ومن بين هذه التحركات، برزت تنسيقية "تقدم" بوصفها إطاراً سياسياً حاول الإمساك بخيوط المبادرة المدنية، غير أن مسارها سرعان ما انكسر على وقع الانقسامات الداخلية، لتتشكل كتلتان متمايزتان، تحالف "تأسيس" وتحالف "صمود". هذا الانقسام لم يقتصر على الخلاف التنظيمي، بل كشف عن تباينات عميقة في الرؤى والرهانات، وفي قراءة موازين القوة داخل البلاد وخارجها، بما جعل إمكان التئام هذا الجسم السياسي في أفق قريب أمراً بالغ التعقيد.
يتزامن هذا التشظي مع جدل واسع حول فكرة "الحكومة الموازية"، التي طرحت كتصور سياسي في ظل الفراغ المؤسسي والانهيار الإداري، ثم انتقلت إلى حيز التداول العملي وسط عراقيل متراكمة. هذا الجدل يعكس أزمة أعمق تتصل بتآكل الشرعية، وتعدد مراكز القرار، وغياب إطار وطني جامع قادر على إنتاج سلطة تحظى بالقبول الداخلي والاعتراف الخارجي في آن واحد. كما يعكس حالة السيولة السياسية التي تسمح للأفكار غير المكتملة بأن تتحول إلى عناوين كبرى، قبل أن تختبرها الوقائع القاسية على الأرض.
تشظ سياسي تشكل تحالفا "صمود" و"تأسيس" بوصفهما نتاجاً مباشراً لانقسام تنسيقية "تقدم"، التي أعلنت في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 كمظلة مدنية عريضة سعت إلى تجميع القوى الرافضة للحرب، والداعية إلى مسار سياسي يفضي إلى السلام واستعادة الانتقال المدني. ومع تعمق الخلافات حول تعريف الصراع، وحدود العلاقة مع الأطراف المسلحة، تبلور مساران متوازيان يعكسان رؤيتين مختلفتين لمستقبل الدولة السودانية.
تحالف "صمود" نشأ من غالبية المكونات السياسية والمهنية داخل "تقدم"، ويضم 13 تنظيماً سياسياً من أبرزها حزب الأمة القومي، وحزب المؤتمر السوداني، وحزب البعث القومي، والحركة الشعبية، إضافة إلى مجموعات نقابية ومدنية. يطرح "صمود" مشروعاً سياسياً يقوم على حوار وطني شامل يعالج جذور الأزمة، وترتيبات دستورية انتقالية قائمة على توافق واسع، وعدالة انتقالية تنصف الضحايا، وسلطة مدنية انتقالية كاملة الصلاحيات تقود البلاد حتى الانتخابات. ويتبنى التحالف تصوراً فيدرالياً للحكم خلال الفترة الانتقالية، بهياكل تشمل جمعية تأسيسية انتقالية، ومجلس سيادة رمزي، ومجلس وزراء يعتمد الكفاءة والتنوع. غير أن التحالف يواجه انتقادات تتعلق بجمود بنيته التنظيمية، واستمراره في رفع شعار "لا للحرب" من دون بلورة خريطة عملية لإنهائها، إلى جانب تباينات داخلية حول تعريف المؤسسة العسكرية وموقعها في معادلة الدولة.
في المقابل، أُعلن تحالف "السودان التأسيسي" (تأسيس) في الـ23 من فبراير (شباط) من العام التالي في نيروبي، بوصفه المسار الثاني المنحدر من خلفيات "الحرية والتغيير". يضم التحالف 24 كياناً، في مقدمها قوات "الدعم السريع"، والحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، والجبهة الثورية، وأجنحة من حزب الأمة القومي، وقوى سياسية ومدنية أخرى. يقدم "تأسيس" نفسه كحامل رؤية تتعلق بتفكيك البنية التاريخية للسلطة، وإعادة تعريف العلاقة بين المركز والهامش، وبناء منظومة حكم قائمة على المواطنة المتساوية. وقد أعلن التحالف تشكيل هيئته القيادية، وتوزيع أدوار السلطة داخله، ثم مضى لاحقاً إلى إعلان "حكومة السلام" في يوليو (تموز) 2025، في خطوة عمقت الجدل والانقسامات داخل صفوفه وحوله.
يلتقي "صمود" و"تأسيس" في خطاب يدعو إلى إنهاء الحرب، ومعالجة جذور الأزمة البنيوية للدولة السودانية، ولكن وصف بأنه خطاب هلامي، لا يحدد طبيعة العلاقة مع طرفي النزاع، وحدود الشرعية السياسية. كما يعاني التحالفان انقسامات داخلية حادة، شملت الأحزاب التاريخية نفسها، وأنتجت اصطفافات جديدة عمقت التشظي السياسي. وفي المحصلة، يعكس المساران أزمة النخبة السودانية في إنتاج مشروع وطني جامع، وسط حرب أعادت صياغة السياسة من موقع السلاح، وضيقت هامش الفعل المدني، ودفعت التحالفات إلى حافة التناقض بين الشعارات والوقائع.
اختبار عملي تقرأ التحركات الإقليمية لتحالفي "صمود" و"تأسيس" بوصفها اختباراً عملياً لقدرة الفاعلين المدنيين والعسكريين على بناء مظلة قبول خارجية في بيئة إقليمية أعادت ضبط أولوياتها تجاه السودان. فالإقليم، الذي كان يتعامل مع تعددية المبادرات السودانية بوصفها مساحة مناورة، انتقل تدريجاً إلى مقاربة أكثر حذراً، تدقق في كلفة الانخراط السياسي مع أطراف متنازعة.
تحالف "صمود" بدأ نشاطه الخارجي بمحاولة تثبيت حضور مدني عبر عواصم شرق أفريقيا، خصوصاً أديس أبابا ونيروبي وكمبالا، غير أن هذا المسار واجه بروداً متصاعداً. في إثيوبيا، التي تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي وتحرص على صورة الوسيط الإقليمي، اتخذت السلطات قراراً بمنع أنشطة "صمود" قبل انعقاد ورشة معلنة حول السلم ورتق النسيج الاجتماعي. عكس القرار تحولاً في تقدير الموقف الإثيوبي، الذي بات يربط أي نشاط سياسي سوداني بموقف واضح من مسألة وحدة الدولة، في سياق تزايد التقاطعات بين أديس أبابا والمؤسسات القارية والدولية الداعمة لمسار الدولة السودانية. ومع هذا التحول، فقد "صمود" إحدى أهم منصاته الإقليمية، وتقلص هامش.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

