الربيع العربي من الآمال إلى الإخفاقات ماذا تحقق وماذا ضاع؟. سقوط الأنظمة السلطوية لم يتبعه ظهور نخب قادرة على إدارة التحول أو مؤسسات تمتلك الكفاءة لضمان الاستقرار | #ملف_ربع_قرن

ملخص سقوط الأنظمة السلطوية لم يتبعه ظهور نخب قادرة على إدارة التحول أو مؤسسات تمتلك الكفاءة لضمان الاستقرار، فكان أن تلاشت آمال الديمقراطية في بيئة إقليمية مثقلة بالتجاذبات، بحيث اصطدمت الرغبة في الحرية بجدار التاريخ.

في عام 2010، اجتاحت العالم العربي موجة من الاحتجاجات غير المسبوقة، خرجت من رحم الإحباطات العميقة والاختناقات السياسية والاقتصادية التي راكمتها عقود من الاستبداد. في مشهد بدا وكأنه عودة للتاريخ إلى نقطة مفصلية جديدة، انفجرت الجماهير في تونس ثم مصر وليبيا وسوريا واليمن، حاملة شعارات الحرية والعدالة والكرامة. كان ذلك، كما وصفه صموئيل هنتنغتون، لحظة "عدوى التحول الديمقراطي"، لكنها كانت اندفاعة عاطفية أكثر منها مشروعاً مؤسسياً مكتمل الأركان، فسرعان ما تلاشت نشوة الانفجار في متاهات السلطة والسلاح والمصالح المتضاربة.

LIVE An error occurred. Please try again later

Tap to unmute Learn more يرى مارك لينش، الذي صاغ مصطلح "الربيع العربي"، أن هذه الحركات شكلت أوسع موجة احتجاج جماعي ضد الأنظمة السلطوية في التاريخ الحديث للمنطقة، وأنها أطلقت ديناميات اجتماعية وسياسية غير قابلة للعكس، حتى وإن فشلت في بناء الديمقراطية المنشودة، لكن وكما لاحظ هنري كيسنجر، فإن التاريخ لا يسير بخط مستقيم نحو الحرية، بل يتعرج بين مثالية الشعوب وبراغماتية السلطة، وهو ما ظهر جلياً حين اصطدمت موجة التغيير بالأنظمة العميقة، وبشبكات المصالح الإقليمية والدولية التي رأت في الفوضى تهديداً أخطر من الاستبداد ذاته.

مثلت الانتفاضات محاولة لإعادة توزيع الثروة والسلطة في مجتمعات اختنقت بالفساد، لكنها افتقدت البنية المؤسسية التي تضمن انتقالاً آمناً للسلطة، كذلك كشفت عن عمق الانقسامات الأيديولوجية والقبلية والطائفية التي كانت مستترة تحت سطح القمع. فعلى رغم الحفاوة العالمية التي قوبلت بها التحولات السياسية التي أطلقها ما يسمى "الربيع العربي" بوصفها انتصارات تاريخية لإرادة الشعوب، فإنها سرعان ما كشفت عن هشاشتها البنيوية وافتقارها إلى الأسس المؤسسية الراسخة، فقد كانت تلك الانتفاضات أول حراك جماهيري عابر للحدود تشعل شرارته وسائط التواصل الاجتماعي، مستدرة تعاطفاً عالمياً غامراً، لكنها وضعت الحكومات وقادة العالم أمام مأزق بين واقع المصالح الصلبة وضغوط الرأي العام المتحمس للتغيير.

وفي حين اكتفى المجتمع الدولي بتقديم دعم معنوي وإعلامي للموجة الثورية، ظل المشهد الداخلي أكثر تعقيداً وتشابكاً، إذ إن سقوط الأنظمة السلطوية لم يتبعه ظهور نخب قادرة على إدارة التحول أو مؤسسات تمتلك الكفاءة لضمان الاستقرار، فكان أن تلاشت آمال الديمقراطية في بيئة إقليمية مثقلة بالتجاذبات، بحيث اصطدمت الرغبة في الحرية بجدار التاريخ.

وقود الشعارات في ديسمبر (كانون الأول) 2010، أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في جسده، فاشتعلت معه جذوة الغضب العربي الكامن تحت رماد القهر الطويل. خلال أيام قليلة، تحولت حادثة فردية في مدينة هامشية إلى لحظة مفصلية غيرت مجرى التاريخ العربي الحديث. انتقلت عدوى الغضب من تونس إلى ميادين القاهرة، وطرابلس، وصنعاء، ودمشق، لتتحول المطالب المحلية إلى ثورة إقليمية عارمة ضد أنظمة استبدادية حكمت لعقود طويلة بلا مساءلة ولا تجديد. في تلك اللحظة الفارقة، بدت الشعوب العربية كأنها تستعيد صوتها المسلوب وتعيد اكتشاف ذاتها السياسية بعد سبات امتد نصف قرن.

كانت الشعارات الأولى، الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، أكثر من مجرد صيحات احتجاج، كانت ترجمة مكثفة لمأزق تاريخي طويل بين الدولة والمجتمع، وبين السلطة والإنسان. فالحرية لم تكن مطلباً سياسياً بقدر ما كانت محاولة لاستعادة حق الوجود في فضاء عام مغلق، والكرامة لم تكن ترفاً أخلاقياً بل رداً على امتهان يومي متجذر في البيروقراطية والاستبداد، أما العدالة الاجتماعية فكانت الحلم المؤجل لشعوب اختنقت تحت تركز الثروة والفرص في يد قلة. كانت تلك الشعارات، في جوهرها، إعلاناً عن لحظة وعي جمعي نادرة، تحركت فيها الجماهير بدافع الشعور بالمظلومية أكثر من الأيديولوجيا.

ومع سقوط الأنظمة الواحد تلو الآخر، بدا وكأن صفحة جديدة تفتح في التاريخ العربي، إذ تهاوت ركائز سلطوية ظُن أنها خالدة، وتقدم جيل رقمي جديد بوصفه فاعلاً سياسياً للمرة الأولى. غير أن الحلم لم يلبث أن اصطدم بحدود الواقع الصلبة. فغياب المؤسسات، وتنازع القوى، وتدافع المصالح الإقليمية والدولية، حول الاندفاعة الثورية إلى مسرح للفوضى والتشظي. ومع مرور السنوات، اتضح أن إسقاط النظام لا يعني بالضرورة سقوط البنية التي أنجبته، وأن الدولة العربية الحديثة، بكل ما تحمله من تكلس وهشاشة، لم تكن قادرة على ولادة نظام ديمقراطي مستقر.

في تونس، بدا المشهد في بداياته أقرب إلى ميلاد ديمقراطي جديد، سرعان ما ألهم المصريين للخروج في 25 يناير (كانون الثاني)، ليتحقق ما كان يعد مستحيلاً بسقوط مبارك في فبراير (شباط) 2011. وفي ليبيا واليمن وسوريا، تحولت الشعارات ذاتها إلى وقود لحروب أهلية وصراعات إقليمية تجاوزت في عنفها حدود الخيال. بدا المشهد حينها وكأن المنطقة تعيش لحظة تحول كبرى، تنهي قرناً من السلطوية وتفتح أفقاً جديداً للنهضة، غير أن وهج الثورة سرعان ما انطفأ تحت رماد الواقع.

صراع عميق "الربيع العربي" مصطلح مستعار من تعبير أوروبي قديم هو "ربيع الشعوب"، الذي أطلق على ثورات عام 1848 التي اجتاحت أوروبا، حين خرجت الجماهير مطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وكما بشر "ربيع الشعوب" بولادة زمن جديد من الوعي السياسي في القارة العجوز، حمل "الربيع العربي" آمالاً.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ ساعتين
منذ 3 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 7 ساعات
قناة العربية منذ 9 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 21 ساعة
بي بي سي عربي منذ ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 18 ساعة
التلفزيون العربي منذ 18 ساعة
قناة العربية منذ 18 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 7 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ ساعة