الرهبنة... رحلة روحية من العزلة إلى التوحد. في مصر بدأت الارهاصات الأولى لمفهوم الرهبنة وتطورت مع الزمن وانطلقت منها للعالم عبر كتابات الرحالة وحالياً تضم مصر عشرات الأديرة تتنوع ما بين الأثري والحديث بينها موقعان مسجلان كتراث عالمي في قوائم اليونسكو

ملخص في مصر بدأت الارهاصات الأولى لمفهوم الرهبنة وتطورت مع الزمن وانطلقت منها للعالم عبر كتابات الرحالة وحالياً تضم مصر عشرات الأديرة تتنوع ما بين الأثري والحديث بينها موقعان مسجلان كتراث عالمي في قوائم اليونسكو

في بحثٍ يتناول الرهبنة وتاريخ الأديرة في مصر قالت الباحثة البولندية إيفا فيبسيكا، المتخصصة في التاريخ القديم والأستاذة بجامعة وارسو، "الرهبنة هي الهبة الثانية للنيل"، باعتبار أن الظهور الأول لهذا المفهوم انطلق من الزهاد المصريين، وتطور مع الزمن، وخرج من مصر إلى العالم، فعلى مر العصور كانت الأديرة في مصر مراكز روحية وتاريخية، وهي جزء من التراث الحضاري المصري، وتمثل عنصراً رئيساً في تاريخ الرهبنة.

LIVE An error occurred. Please try again later

Tap to unmute Learn more وتضم مصر عشرات الأديرة، تتنوّع ما بين التراثية والحديثة، وتتوزع في كامل أنحاء البلاد من الشمال إلى الجنوب، من أشهرها مجموعة أديرة وادي النطرون شمالاً (البراموس، والأنبا بيشوي، والأنبا مقار، والسريان)، والأديرة التي تقع شرقاً في منطقة البحر الأحمر، مثل دير الأنبا أنطونيوس، الذي يعدّ من الأقدم في العالم، ودير الأنبا بولا، ويضم الصعيد جنوباً مجموعة من الأديرة المهمة، من بينها المحرق الذي كان موقعه من بين محطات رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، وأديرة الأنبا شنودة المشهور بالدير الأبيض، والأنبا صموئيل، ودير الأنبا باخوميوس، وغيرها. إضافة إلى ديرين شهيرين سُجلا على قوائم التراث العالمي لليونسكو، وهما دير سانت كاترين بجنوب سيناء، ودير أبو مينا بالقرب من الإسكندرية.

حكاية أبو الرهبان لا يمكن على وجه الدقة التعرّف إلى أول من بدأ مفهوم الرهبنة في مصر، باعتبار أن الفكرة الأساسية قائمة على الانعزال والتوحد في مناطق نائية، وغالباً ما كان ذلك يحدث بشكل فردي، وربما سري، وكان يجري بصورة أشبه للزهد. كذلك لا يمكن الجزم بوجود مفهوم مشابه في مصر قبل عصر المسيحية يمكن أن يمثل مرجعاً أو فكرة استلهم منها المسيحيون الأوائل هذا الفكر. وفي عصر كانت وسائل التوثيق محدودة فالبداية الفعلية لا يمكن إثباتها بسند أو دليل، لكن المتعارف عليه هو أن الأنبا أنطونيوس هو أبو الرهبنة في مصر، وفي اعتقاد كثير من الناس أنه الراهب الأول في تاريخ المسيحية.

الأنبا أنطونيوس المولود في منتصف القرن الثالث الميلادي نحو 251 ميلادية بقرية قمن العروس بمحافظة بني سويف كانت له عائلة مكونة من أب وأم وأخت، وكانوا من الأثرياء، إذ كانت عائلته لها أراض وأملاك، وبعد وفاة والده بدأ يتأمل في مفهوم الفناء، وتروي المصادر عن أنه دخل يوماً للكنيسة فسمع قول الإنجيل "إن أردت أن تكون كاملاً اذهب وبع كل مالك ووزعه على الفقراء، وتعال اتبعني"، فشعر أن هذا الكلام موجه إليه، وإنها رسالة، وبالفعل انطلق إلى البرية، لم يدرك حينها أن هذه الرحلة سينتج منها تأسيس مفهوم سيتطوّر مع الزمن، وينطلق من مصر إلى العالم، حتى إنه صار يطلق على الأنبا أنطونيوس أبو جميع الرهبان.

يقول أستاذ اللغة القبطية بجامعة سوهاج إبراهيم ساويرس، "ظلّ الاعتقاد سائداً فترة طويلة بأن الأنبا أنطونيوس هو أول راهب في مصر والعالم، لكن ملامح عديدة من سيرته التي كتبها البابا أثناسيوس الرسولي الذي قابله في إحدى رحلاته توحي بغير ذلك. وهذه السيرة المكتوبة باليونانية التي كانت لغة الثقافة في هذا الوقت والمترجمة للقبطية هي مصدر مهم للتعرف إلى الأنبا أنطونيوس، وفي الوقت نفسه هي نمط أدبي مهم لكتابة سير القديسين لاحقاً، ومنها يظهر أن الأنبا أنطونيوس بدأ حياته متوحداً، ويذكر أنه قابل شخصاً وتعلّم منه، فقد عرف قبل فترة منتصف القرن الثالث التي ولد فيها الأنبا أنطونيوس عن قيام أشخاص بوهب حياتهم للمسيح بصورة تشبه مفهوم الرهبنة، الذي سيتطور لاحقاً، وورد أيضاً أنه ترك أخته في بيت للعذارى، وهو مكان لتجمع الفتيات اللاتي يكرّسن حياتهن للمسيح بصورة تشبه نفس المفهوم".

يضيف ساويرس، "مع الوقت ذاع صيته، وبدأ يأتي إليه آخرون طالبين أن يسلكوا نفس المسلك، وما جعل الأنبا أنطونيوس أباً للرهبنة هو أنه أول من وضع لها نظاماً على رأسه أب كبير يختبر الشباب قبل أن يسلكوا هذا المسلك، وهو ما يحدث حتى الآن، كذلك أنشأ مفهوم الرهبنة الجماعية، بمعنى وجود مجموعة في مكان محدد يجتمعون معاً في أوقات للصلاة والتعلم، وكل حركات الرهبنة التي ظهرت حديثاً هي نسخ من المفهوم الأول الذي يعتمد على الاعتزال، والبتولية، والفقر الاختياري، وطاعة الأب الكبير".

هكذا تطور مفهوم الرهبنة مع الوقت بدأت فكرة الرهبنة بمفهومها البسيط، الذي أنشأه الأنبا أنطونيوس في الانتشار، وبدأ يتجه آخرون إلى تبني هذا المفهوم، وأصبح أنطونيوس معلماً لهؤلاء الزاهدين، الذين قرروا الخروج للبرية للتعبد، وتركوا الدنيا وراءهم، كانت الحياة التي عاشوها شديدة الصعوبة والتقشف، ولم يكن لها إطار أو نظام محدد مثلما سيحدث لاحقاً.

يقول ساويرس "في مرحلة لاحقة جاء الأنبا باخوم أو باخوميوس، وهو أيضاً من صعيد مصر، إذ ولد أواخر القرن الثالث، وكان أبواه وثنيين، والتحق بالجيش الروماني، وكان شاباً قوي البنية، وذهب إلى منطقة قرب إسنا مع كتيبته لفض نزاع داخلي، وهُزمت كتيبته، ولم يساعدهم سوى مجموعة من الأهالي المسيحيين فتعرف إليهم، وتأثر بهم، واعتنق المسيحية، واتجه إلى الرهبنة، التي أنشأ فيها شيئاً يعرف باسمه على مر العصور، وهو ما يُعرف بالنظام الباخومي فحولها من الأب المنفرد إلى الجماعية بمعنى من التوحد إلى الشركة".

ويتابع ساويرس، "بدأ هنا بناء الأديرة بالصورة المتعارف عليها، بحيث يكون هناك سور يضم الرهبان وبداخله الكنيسة والقلايات (مكان سكن الرهبان) وأماكن الطعام، فسابقاً كان الرهبان يعيشون في البرية، ولا يجمعهم كيان منظم. كان باخوميوس جندياً، ولديه خبرة بالنظام والانضباط، وعلى علم بالإدارة فأنشأ تسعة أديرة بهذا المفهوم في مناطق مختلفة من الصعيد كل منهم وحدة منفصلة، وكان يتنقل بينهم".

ويضيف، "التطور الثالث في نظام الرهبنة قام به الأنبا شنودة في منتصف القرن الرابع، حيث أصبح الدير يمثل اتحاداً بين ثلاثة أديرة اثنان للرجال وواحد للنساء، وكل دير يكون له رئيس، وفي هذا التطوّر أصبح الدير له مهام إنتاجية توزع على الثلاثة أديرة من دون الإخلال بالقوانين، مثل الخبز وعصر الزيتون والغزل والنسيج، فالأنبا شنودة جعل الدير مجتمعاً متكاملاً يحقق الاكتفاء الذاتي لأعضائه، ويمكن أن يمتد أثره إلى الخارج بفائض إنتاجه من الزراعة أو المنتجات، مثل زيت الزيتون وغيره، وبعض الأديرة كان بها أقسام لكتابة المخطوطات والترجمة من اليونانية للقبطية".

طبقات من التاريخ على مدار التاريخ المصري كان الدين والطقوس الدينية جزءاً لا يتجزأ من حياة المصريين، وكانت المعابد أو بيوت العبادة بجميع أنواعها أمر شديد الأهمية ينتشر في كل الأنحاء، ويعكس ملامح من السياق الحضاري والفكري السائد في البلاد، فما بين الحضارة المصرية القديمة، ولاحقاً اليونانية والرومانية لا شك أنه كان هناك تأثر بنمط الفنون والعمارة السائد في هذه العصور، حتى إن بعض دور العبادة القديمة جرى إعادة توظيفها واستخدامها من.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 7 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ ساعتين
قناة العربية منذ 3 ساعات
بي بي سي عربي منذ 4 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 3 ساعات
سكاي نيوز عربية منذ 5 ساعات
سي ان ان بالعربية منذ 3 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 4 ساعات
قناة العربية منذ 12 ساعة
التلفزيون العربي منذ 21 ساعة