يتساءل البعض عن كيفية توصل المسيحيين إلى معرفة اليوم الذي وُلد فيه السيد المسيح، ولماذا اختاروا تحديده في 25 ديسمبر، وجعلوا أول يناير بداية للسنة الميلادية، إذ لم يكن تحديد يوم ميلاد المسيح أمرًا واضحًا منذ القرون الأولى للمسيحية، بل مر عبر مراحل من الجدل والاجتهاد الكنسي، وتأثر بالتقاليد الشعبية والعادات المحلية، ومن هنا تنبثق قصة اعتماد هذا التاريخ وانتشاره تدريجيًا، لتصبح أحداث الميلاد ورأس السنة جزءًا من تقويم عالمي متعارف عليه حتى اليوم.
وفي هذا السياق هكذا ورد سؤال لمجلة «الهلال» من أحد القراء، يدعى بولس "في السكة الحديد"، في عددها الصادر بتاريخ 1 يناير 1905، يسأل فيه المجلة التي كانت ولا تزال منارة للفكر والثقافة، عن كيف توصل المسيحيون إلى معرفة اليوم الذي ولد فيه السيد المسيح وعينوه يوم 25 ديسمبر، وجعلوا يوم رأس السنة أول يناير، ولماذا لم يجعلوه في شهر آخر من الأشهر المعروفة؟.
البدايات الحقيقية للتقويم الميلادي قبل انتشاره عالميًا
فأجابت "الهلال" أن لا علاقة بين السنة الشمسية وولادة المسيح، فإن السنة وشهورها وأسماءها كانت معروفة قبل الميلاد. وتاريخ الميلاد المتداول الآن لم يُعرف قبل أواسط القرن السادس؛ اقترحه راهب اسمه ديونيسيوس أكسيجوس سنة ٥٣٢، فاتخذه أولًا الإيطاليان، ودخل إنجلترا في أول القرن التاسع، ولم يعم استعماله إلا بعد بضعة قرون. وأول ملك أضاف التاريخ الميلادي إلى سنة ملكه شارل الثالث ملك جرمانيا سنة ٨٧٩. وأما قبل التاريخ الميلادي فكان المسيحيون وغيرهم من أهل أوربا يؤرخون ببناء رومية، أو بتاريخ الأولمبياد عند اليونان، أو غير ذلك. فلما أرادوا تحويل هذه التواريخ إلى التاريخ الميلادي جعلوا أول سنة الميلاد في أواسط الأولمبياد ١٩٤ (والأولمبياد عندهم أربع سنوات)، ووافق ذلك أيضًا سنة ٧٥٣ لبناء رومية.
تاريخ ميلاد المسيح بين الاختلافات الدينية والطقوس الوثنية
وأوضحت "الهلال" أما يوم ميلاد المسيح فقد اختلفوا في تعيينه، وكانوا في القرنين الأولين للميلاد يحتفلون به في بعض أيام يناير أو أبريل أو مايو، ثم أجمعت الكنيسة الشرقية على أنه يوم ٦ يناير، وكانوا يعيدون عيدي الميلاد والغطاس معًا، ولا يزال الأرمن حتى الآن يحتفلون بهما على هذه الصورة. أما اللاتين فجعلوه يوم ٢٥ ديسمبر، ثم أجمعت سائر الطوائف على هذا اليوم، ولا نعلم مستندهم في ذلك. على أن قرائن الأحوال تخالفه؛ فقد ورد عند ذكر ولادة المسيح في الأناجيل أن الرعاة كانوا إذ ذاك يحرسون ماشيتهم ليلًا، مما يبعد وقوعه في ليالي ديسمبر التي هي من أشد أيام الشتاء بردًا ومطرًا، فضلًا عن أدلة أخرى لا محل لها هنا. والمظنون في سبب اتخاذ هذا اليوم تذكارًا لميلاد المسيح أن أهل رومية ما زالوا إلى بعد انتشار المسيحية يحتفلون بأعياد وثنية أكثرها واقع في فصل الشتاء، ولعل بعضها كان يقع في ٢٥ ديسمبر، فنقلوا عيد الميلاد إليه ليشغلوهم به عن الاحتفال بالأعياد الوثنية. أما وقوع بدء السنة في يوم الختان فلأن المسيح اختتن في اليوم الثامن من ولادته، وبين ٢٥ ديسمبر وأول يناير ثمانية أيام.
هذا المحتوى مقدم من بوابة دار الهلال
