العلاقة بين المرأة العربية واللغة العربية علاقة فعل وإلهام؛ فالمرأة لم تكن قط متلقية سلبية للغة، بل الوتر الحساس ومبعث الوحي الإلهام، لقد تعمدن استخدام الشعر ليس فقط للغزل والمدح، بل كأداة متكاملة في الاحتجاج الاجتماعي، الرثاء العميق، والحكمة البليغة، وكأنهن يصفن مشاعر وجدانية دقيقة لا يمكن للثرثرة النثرية أن تحتويها.
تقدم زوجة أبو حمزة الضبي نموذجا مبكرا لاستخدام الشعر كوسيلة للدفاع عن الحقوق والاحتجاج العائلي بلغة تجمع بين الحزن والمنطق، فقد عاتبت زوجها على هجره لها لمجرد أنها لم تلد له ذكورا، واستخدمت استعارة بيولوجية قوية وبليغة:
ما لأبي حمزة لا يأتينا/ يظل في البيت الذي يلينا
غضبان أن لا نلد البنينا/ تالله ما ذلك في أيدينا
وإنما نأخذ ما أعطينا/ ونحن كالأرض لزارعينا!
هنا، يتحول الشعر من مجرد شكوى إلى بيان نسوي يقرر حقيقة أن الإنجاب قضاء وقدر، ويشبه المرأة بالأرض المنتجة، رافضة أن تلام على ما لا تملك السيطرة عليه.
وتظهر عظمة اللغة العربية في قدرتها على احتواء أعمق لحظات الحياة، فالمرأة ذات النسب والمكانة، آمنة بنت وهب أم النبي ﷺ، أدركت الشعر وهي في حالة النزع، لتودّع ولدها بلغة الدعاء والبركة، وقد أسفت لتركه محروما من عطف الأبوين:
بارك فيك الله من غلام / يابن الذي في حومة الحمام
نجا بعون الملك العلام / فودي غداة الضرب بالسهام
تخلّل هذا الرثاء دعاء صريحا وتخليدا لذكرى زوجها «الذي فودي بالسهم»، رابطة مصير ابنها بالقضاء الإلهي، في مشهد لغوي يتميز بالرقة والسمو.
تظل الخنساء «تماضر بنت عمرو» أيقونة الشعر العربي، ومثالا لقوة البيان الذي يتجاوز الجمال إلى.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوطن السعودية
