ديمة محبوبة عمان- يكشف تحقيق أجرته "الغد" عن أزمة صامتة تتفاقم في محافظة إربد، حيث تتحول مياه الشرب في عدد من المناطق إلى مياه عكرة غير صالحة للاستخدام المنزلي الآمن، ما يدفع آلاف الأسر إلى البحث عن بدائل مكلفة خارج شبكة التزويد الرسمية.
ويرصد التحقيق، عبر شهادات مواطنين وخبراء وفواتير إنفاق، كيف أن آثار عكورة المياه لا تقتصر على المخاوف الصحية فحسب، بل تمتد لتشمل تكاليف اقتصادية مباشرة وغير مباشرة يتحملها السكان، وتشمل شراء المياه المعبأة والصهاريج، وتعطل الأجهزة المنزلية وتراجع عمرها الافتراضي، إضافة إلى نفقات الصيانة والعلاج.
وفي واحدة من أكثر المحافظات كثافة سكانية، يكشف التحقيق فجوة بين تكلفة الخدمة وجودتها، في ظل شبكة مائية قديمة، وفاقد مرتفع، واستجابات رسمية لا تعكس حتى الآن تحسنا ملموسا في حياة المواطنين.
ويعاني سكان المحافظة، منذ سنوات، من مياه عكرة تصل إلى منازلهم عبر شبكة التزويد، وهي مشكلة يومية تتجاوز مجرد الطعم أو اللون إلى تأثير مباشر على صحة المواطنين وكفاءة الأجهزة المنزلية.
وتتمثل العكورة بوجود جسيمات معلقة في الماء، تتسبب بانسداد الفلاتر والأنابيب، وتضعف كفاءة السخانات والغسالات والجلايات، ما يؤدي إلى ارتفاع استهلاك الكهرباء وتسريع تلف الأجهزة.
وتراكم هذه الرواسب يجعل الصيانة المتكررة ضرورة، فيما تصل تكلفة هذه الصيانة أحيانا إلى نصف ثمن الجهاز في العام الواحد، بحسب شهادات السكان والفنيين.
مسار العكورة
حين تفتح صنبور المياه في منازل إربد، قد لا تصدق ما تراه؛ ماء عكر يخرج محملا بجسيمات دقيقة تجعل استخدامه اليومي معركة حقيقية.
والعكورة ليست مجرد منظر مزعج أو طعم غير مستساغ، بل تعبير عن أزمة أعمق تتعلق بتلوث مصادر المياه بالنترات والأمونيا، وتراكم الرواسب المعدنية التي تعيق عمل الأجهزة المنزلية.
ومن السخّانات الشمسية إلى الغسالات وجلايات الصحون، يواجه كل جهاز تهديدا يوميا يضاعف نفقات الأسر ويقصر عمر الأجهزة.
ولا تتوقف عكورة المياه عند المشاكل الصحية فقط، بل تسبب أزمات مالية وتقنية، حيث تجبر العائلات على دفع مبالغ طائلة للصيانة واستبدال الأجهزة قبل انتهاء صلاحيتها، نتيجة استخدام مصادر مياه ملوثة وغير آمنة للاستخدام طويل المدى. وهذه العكورة، التي قد يراها البعض مجرد "مشكلة صغيرة"، تكشف عن تحديات أكبر تواجه المحافظة، مثل التلوث المتصاعد بسبب ضعف شبكات الصرف الصحي، والاستخدام الجائر للأسمدة الزراعية التي تتسرب للمياه الجوفية وتستنزفها، بحسب التقرير الذي نشرته وزارة المياه والري بعنوان "الإدارة المتكاملة لموارد المياه الجوفية"، والصادر في نيسان (إبريل) 2025، ما يجعل سكان محافظة إربد يعيشون صراعا في تأمين حاجتهم من المياه النظيفة.
وهذا التحقيق يستعرض هذه الأزمة من جميع جوانبها، من تأثيرها على الأجهزة الكهربائية والصحة العامة، وصولا إلى المعايير المائية الرسمية، والتحديات التي تواجه الجهات المسؤولة في المحافظة؛ لضمان وصول ماء نظيف وآمن للمواطنين. وبحسب المهندسة الكيميائية دلال محمد، تؤكد أن العكورة ليست المشكلة الوحيدة، فوجود الأمونيا والنترات في المياه يزيد الطين بلة، إذ يساهم في تآكل المعادن، والأختام المطاطية في المضخات والأنابيب، ويزيد من ترسب الأملاح عند تفاعلها مع عناصر أخرى، ما يقلل كفاءة الأجهزة ويقصّر عمرها الافتراضي، وهذه التحديات تجعل التعامل مع المياه في محافظة إربد تجربة يومية صعبة للأسر، خصوصا مع انتشار الأجهزة التي تعتمد على الماء بشكل رئيس في الحياة اليومية.
حكايات من المنازل
يعيش عماد جبر، أحد سكان شارع الثلاثين في مدينة إربد، تجربة يومية مع غسالة الملابس، التي تعطلت للمرة الرابعة خلال العام، ويروي تفاصيل محاولاته المستمرة لإصلاح الغسالة، من فحص التوصيلات، والضغط على الأزرار، والبحث خلف الغسالة عن أي قطعة ملابس عالقة، وكل ذلك دون جدوى.
يقول عماد: "خلال آخر ثلاثة أعوام، أرسلت الغسالة إلى ورشة التصليح ثلاث مرات بسبب تراكم الأملاح داخل حوض الغسيل والأنابيب، والفني أخبرني أن التكلس يجعل السخان الداخلي يستهلك طاقة أكبر ويقلل كفاءته حتى يحترق في النهاية".
أما حسين إسماعيل، المقيم في الحي الشرقي في إربد، فيواجه هو الآخر صعوبات متكررة مع سخانات الماء الكهربائية؛ إذ على الرغم من التزامه بالصيانة الشهرية وتنظيف الأجهزة دوريا، يجد أن عمر الأجهزة أقل بكثير مقارنة بأجهزة مشابهة لدى أسر أخرى، مثل جهاز السخان لدى ابنه في العاصمة عمان، الذي لا يتطلب الجهد نفسه من الصيانة.
وأما فراس حسن، فاختار الاعتماد على سخان شمسي لتقليل فاتورة الكهرباء، لكنه واجه مشكلة ضعف تدفق الماء الساخن بعد أقل من عامين من التركيب، فعند فحص خزان السخان، اكتشف طبقة سميكة من الترسبات البيضاء تغطيه، ما أضعف من أداء الجهاز وزاد من استهلاك الكهرباء، وهو مثال آخر على تأثير العكورة والتلوث على الأجهزة المنزلية.
بيانات رسمية تؤكد الخلل
تشير البيانات الرسمية، بما فيها تقرير "تلوث النترات في الأردن المنشأ والإجراءات المقترحة" الصادر في نيسان 2025، الذي نشرته وزارة المياه والري، إلى أن محافظة إربد من أكثر مناطق المملكة تأثرا بتلوث المياه الجوفية بالنترات، ويُعزى ذلك إلى الكثافة السكانية المرتفعة، والتوسع الزراعي غير المنظم، وضعف خدمات الصرف الصحي في المناطق المحيطة بالمدينة.
وتشير التحليلات الميدانية إلى تجاوز مستويات النترات في بعض آبار إربد للحد المسموح به وفق المعيار الأردني لمياه الشرب، حيث سجلت.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الغد الأردنية
