المُداراةِ والمُداهنةِ ،، اختلاف في الغرض والمعنى، عنوان فيه إطلالة على مفهومهما، وما هو في سلوك البشر فيهما. ولكثرما فرضت ظروف العيش عند الإنسان ممارستهما، وحتى الجماعات والدول يطالها مُدارة ومُداهنة بينها. فالمُداراةَ هي صِفةُ مَدحٍ أما المداهَنةَ صِفةُ ذَمٍّ.
وذلك أنَّ المُداري يتلَطَّفُ مع الغير ليبلغ مراده في تحقيق مصلحة يراها أو صد سوء متوقع حصوله، وهو بهذا مُدرك أن هذا فيه حماية ودراية وتحصيل ما هو ممكن دون أن يتأثم أو ينجر إلى مذامّ. والمداهِنُ هو ذاك الذي يتلطَّفُ تماشيا مع غيره حتى لو كان على سلوك غير سوي أو متابع هوى، وهذا فيه تأثم وهشاشة تأمل، وفخ في سوء يتنامى.
المُداراةَ أحيانا فيها إستمناء ودّ ورِّفقُ بتعليم جاهِلِ، أو محاولة إغلاظ ونهي عن سوء فعل. دونما إظهار ما هو فيه، وإن كان إنكارا على صانعه فلطف لفظ ولين فعل معه، بل تألُّيفِه لمقصد حسن.
وهذا خلاف المداهَنةُ التي ترضى معاشَرةُ من له سوء عمل، وإظهارُ قبول بما يرى منه دونما تململ أو إنكارٍ عليه.
ولهذا المُداراةَ سعي وبذل رغبة صلاح دنيا ودين، وفعلها مباح ومُستحسَن إذا ضُبطت بوصلتها. خلاف المداهنةُ مذمومةُ مُحرَّمةُ بُغية مصلحة دنيوية وغرض نفعي.
ولذلك هناك فَرقُ بين المُدارة والمُداهنة في الغَرَضِ الباعِثِ عليهما، الأولى تمارس الأغضَاء مع الغير طلبا للسلامةِ والأثر
الحسن، والمُداهن فهو يغضَ لحظِّ نفسِه، واجتلابِ شَهوته، وسلامةِ جاهِه. أورد ابن مفلح في كتابة الآداب الشرعية عن الحسن البصري أن الناس يقولون المُداراةُ نصفُ العقلِ، وأنا أقولُ هي العقلُ كُلُّه. وكذلك قول ابن حزم؛ المُداراةُ فضيلةٌ متركِّبةٌ من الحِلمِ والصَّبرِ. قال ذلك في كتابة الأخلاق والسير في مداواة النفوس.
ومما يُذكر في باب المداراة التي تخص الأفراد والجماعات وحتى الدول التمهل وعدم سرعة المؤاخذة، وفي هذا حيطة وإبعاد شر، وخصومة من عدو لا تأمن صنيعة أو تأليبه، ولمثل هذا الأمر يوصي ابن الجوزي في كتابة الشيق صيد الخاطر؛ أنه من البَلَهِ أن تبادِرَ عَدوّا أو حسودا بالمخاصمةِ، وإنما ينبغي إن عرَفْتَ.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة البلاد البحرينية
