موجة تعليقات ساخرة من جزائريين على مقاطع قديمة يبثها التلفزيون الرسمي عن ملاعب المغرب تكشف أزمة ثقة داخلية، و يتحول الجمهور إلى أكبر معارضة.
هذا، ولا تحتاج الدعاية إلى كثير من الجهد حين تملك جمهورًا يصفّق، لكنها تتحوّل إلى عبء ثقيل عندما ينقلب الجمهور إلى مُصحّحٍ لغويّ للحقيقة، يلتقط التناقض قبل أن تكتمل الجملة الأولى. وهذا تمامًا ما يحدث مع ما يبثّه التلفزيون الجزائري الرسمي عن كأس إفريقيا في المغرب؛ تقارير تُقدَّم بجدّية مبالغ فيها، مصحوبة بمقاطع من أيام الأشغال الأولى، وكأن الزمن توقّف هناك، وكأن الملاعب بقيت حفرةً إلى إشعار آخر، وكأن الكاميرا لم تُخترَع بعد لتُصوّر الواقع كما هو لا كما تتمنى الرواية أن يكون.
المضحك ليس محاولة الإقناع بحدّ ذاتها، فكل إعلام رسمي له هوايته المفضلة حياكة قصةٍ تُناسب المزاج السياسي. المضحك حقًا أن من يردّ على هذه الروايات هذه المرة ليسوا مغاربة، بل جزائريون أنفسهم، وكأن الرسالة وصلت إلى عنوانٍ خاطئ فعاد صاحبها يضحك عليها قبل وصولها للجار. تعليقات جزائرية تتدافع في مواقع التواصل، لا تحتاج إلى ترجمة ولا إلى تحليل استراتيجي : ضحك، سخرية، تندر، وأسئلة بسيطة جارحة من نوع: هذا من أي سنة؟ ، ما زلتم تبيعون نفس الشريط؟ ، ألم تجدوا مقطعًا أحدث؟ .
وهنا بالضبط يبدأ الانهيار الصغير الذي لا تلتقطه نشرات الأخبار حين يصبح المواطن هو غرفة التحرير البديلة، وحين يتحوّل الجمهور إلى لجنة تقصّي الحقائق بلا ميزانية وبلا استوديوهات، فقط بهاتف وإنترنت وذاكرة لم تعد تقبل إعادة البثّ.
يفتح المشاهد البثّ المباشر من هنا، يطابقه مع المقطع الأرشيفي من هناك، ثم يخرج بالحكم الذي لا يحتاج إلى بيان رسمي كفى تمثيلًا . ليست المشكلة أن تُنتقد دولة أخرى أو يُنافسها خطاب سياسي؛ المشكلة أن تُقدَّم الأكذوبة ببرودة أعصاب وكأن الناس لم تعد ترى، ولم تعد تسافر، ولم تعد تتفرّج، ولم تعد تقارن.
الأكثر سخرية أن هذا النوع من الاجتهاد الإعلامي لا يدافع عن صورة الداخل بقدر ما يكشف هشاشته. لأن المواطن عندما يسخر من قناة بلده فهو لا يسخر من المغرب، بل يسخر من إصرار الرواية على إنكار البديهيات. وحين يصل الأمر إلى أن الجزائري يضحك من التلفزيون الجزائري قبل أن يضحك المغربي، فهنا نحن أمام لحظة سياسية نادرة الشعب يسبق المعارضة، والتعليقات تهزم الافتتاحية، والواقع يهزم المونتاج.
لا يبدو أن المشكلة التي يعتقدها الخطاب الرسمي في الخارج هي المشكلة الحقيقية. فحين يصبح الشعب هو المعارضة الأقوى، وحين تُصبح السخرية الشعبية أسرع من مقدّمة المذيع، فاعلم أن الأزمة ليست أزمة ملاعب في المغرب، بل أزمة ثقة في الداخل؛ أزمة رواية تُعاد مرارًا حتى ملّها أصحابها، وأزمة إعلام لم يعد يُقنع جمهوره فصار جمهوره يكتب نهايته بنفسه في خانة التعليقات، وبضحكة واحدة كافية لإسقاط كل شيء.
هذا المحتوى مقدم من جريدة أكادير24
