اشتعلت الساحة الكروية التونسية غضبا عقب خسارة منتخب تونس أمام نيجيريا في الجولة 2 من دور المجموعات لبطولة كأس أمم إفريقيا 2025 المقامة في المغرب، ليس بسبب النتيجة وحدها، بل نتيجة ما اعتبرته الجماهير اختيارات فنية مربكة من المدرب سامي الطرابلسي، وفي مقدمتها استمرار تهميش الجناح الشاب سيباستيان تونكتي وعدم الدفع به أساسيا، رغم ما يقدمه من إضافة هجومية واضحة كلما شارك.هذا الغضب لم يقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي، بل امتد إلى التحليل الإعلامي والنقاشات الفنية، خاصة بعد الصورة التي ظهر بها المنتخب التونسي في الشوط الأول أمام نيجيريا، حين بدا الفريق مقيدا بخيارات دفاعية مبالغ فيها، قبل أن يتغير المشهد نسبيا عقب دخول تونكتي بديلا في الدقيقة 61، ليقلب نسق المباراة ويمنح “نسور قرطاج” أملا حقيقيا في العودة.أرقام تدعم موقف تونكتيجماهير تونس رأت أن ما حدث أمام نيجيريا تكرار لسيناريو الإقصاء الهجومي، في ظل غياب الجرأة والمبادرة منذ البداية، معتبرة أن تغيير الخطة وعدم إشراك تونكتي أساسيا قراران خاطئان، خصوصا أن اللاعب لم يحصل سوى على دقيقتين فقط في المباراة الأولى أمام أوغندا التي فازت بها تونس بنتيجة 3-1.ورغم ضيق الوقت، فإن تونكتي قدم أوراق اعتماده الحقيقية أمام نيجيريا، إذ شارك لمدة 29 دقيقة فقط، لكنه أشعل الجبهة اليسرى وغيّر شكل المنتخب هجوميا. وفق أرقام منصة “سوفا سكور”، صنع لاعب سيلتيك الاسكتلندي فرصتين محققتين للتسجيل، وأسهم بشكل مباشر في الضغط الهجومي الذي أعاد تونس إلى أجواء المباراة بعد التأخر بثلاثية نظيفة.الخوف من نيجيريا قتل الطموح الهجوميفي هذا السياق، اعتبر الصحفي الرياضي التونسي زياد عطية، في تصريحات خاصة لموقع “المشهد”، أن مطالب الجماهير التونسية مشروعة، مؤكدا أن تونكتي كان يستحق الوجود في التشكيلة الأساسية منذ البداية.وقال عطية:"الجمهور التونسي محق في المطالبة بأن يكون سيباستيان تونكتي عنصراً أساسياً في التشكيلة. هذا اللاعب هجومياً مميز جداً، فهو ثاني أفضل مراوغ في مسابقة الدوري الأوروبي مع سلتيك، ويمتلك سرعة كبيرة ومهارات فردية عالية، وكان يجب أن يكون أساسياً وليس مجرد حل بديل."وأضاف أن الأداء كان سيختلف جذريا لو تم الاعتماد على الأسماء الهجومية الأجدر منذ البداية، موضحا:"لو اختار المدرب سامي الطرابلسي الأسماء الأجدر ذات الكفاءة الهجومية منذ البداية، لكان الأداء أفضل بكثير. المشكلة أن التركيز كان مبالغاً فيه على الجانب الدفاعي واحترام نيجيريا أكثر من اللازم، وهذا الخوف هو ما قتل الطموح الهجومي للمنتخب."جدل حول تغيير التكتيكويرى عطية أن أحد أبرز إشكالات المنتخب التونسي يتمثل في التغيير المستمر للنهج التكتيكي حسب المنافس، وهو أمر لا يتناسب، بحسب رأيه، مع طبيعة العناصر المتوفرة حاليا.وأوضح في هذا السياق:"أنا لا أتفق مع سامي الطرابلسي في فكرة تغيير التكتيك حسب كل منافس، لأننا لا نمتلك في تونس تلك الوفرة من اللاعبين ذوي الجودة العالية في خط الوسط لتنفيذ خطط مختلفة بامتياز. تغيير التشكيلة والنهج باستمرار يتطلب لاعبين بمواصفات خاصة قد لا نملكها."وعن المواجهة الحاسمة المقبلة أمام تنزانيا، شدد عطية على ضرورة مراجعة الخيارات، قائلا:"الطريقة المثلى لمواجهة تنزانيا هي الدفع بالأسماء الجديرة مثل إسماعيل الغربي منذ البداية ليكون لاعباً حيوياً في الوسط بدلاً من فرجاني ساسي، وكذلك الاعتماد على إلياس سعد وسيباستيان تونكتي أساسيين، وربما التخلي عن ورقة حمزة المستوري."أفضل مراوغ تونسيمن جانبه، ذهب الناقد الرياضي وصانع المحتوى أحمد الدرعي إلى أبعد من ذلك، معتبرا أن إشراك تونكتي منذ البداية كان سيمنح المنتخب سلاحا هجوميا حقيقيا.وقال الدرعي في حديثه لـ”المشهد”:"بطبيعة الحال أن الأداء كان سيكون أفضل في حال شارك سيباستيان تونكتي منذ البداية، والمنتخب التونسي كان سيملك سلاحا هجوميا مميّزا على الجهة اليسرى، وكان سيدعم العمق الهجومي أكثر."وأشار إلى أن تونكتي لم ينل فرصته الحقيقية مع المنتخب منذ اختياره تمثيل تونس عام 2021، موضحا:"سيباستيان تونكتي كان يستحق فرصة مع المنتخب التونسي منذ فترة طويلة، خاصة انه قبل مباراة نيجيريا لم يشارك إلا في 62 دقيقة منذ اختياره تمثيل تونس سنة 2021."وأكد الدرعي أن ما قدمه اللاعب مع سيلتيك الاسكتلندي، ثم أمام نيجيريا، يثبت قيمته الفنية، قائلا:"ما رأيناه مع فريق سيلتيك الاسكتلندي وفي مواجهة نيجيريا هو أن تونكتي أفضل لاعب تونسي في خاصية المراوغة (1 ضد 1)، كما أنه يتميز بالسرعة والعرضيات الدقيقة، وهو ما جعله يصنع الفارق بمجرد دخوله أمام النسور الخضر."فلسفة اللعب والثقة بالنفسويرى الدرعي أن المشكلة لا تتعلق بلاعب واحد فقط، بل بفلسفة اللعب ذاتها، موضحا:"في حقيقة الأمر المدرب الواثق من إمكانات فريقه ونقاط القوة عند عناصره، سيركز أكثر على خصائص مجموعته ويحاول استغلال نقاط قوته وفرضها على المنافس، عوض أن يكون التركيز بصفة أكبر على المنافس."وأضاف أن الاختيارات الدفاعية المبالغ فيها أمام نيجيريا منحت الخصم ثقة إضافية، قائلا:"تغيير الخطة في مواجهة نيجيريا، والاختيارات الدفاعية المبالغ فيها أعطت انطباعا للخصم بأنك تخافه أكثر من اللازم، وهو ما منح ثقة أكبر للنيجيرين."تنزانيا واختبار الجرأة الهجوميةوعن المواجهة الختامية أمام تنزانيا، شدد الدرعي على أن الحل واضح ولا يحتمل التأجيل، مؤكدا:"لا يوجد طريقة أمثل من لعب الهجوم أمام تنزانيا من أجل الانتصار والعبور الآمن إلى الدور الثاني."وأوضح أن طبيعة المنتخب التنزاني لا تفرض هذا الحذر المبالغ فيه، مضيفا:"المنتخبات الإفريقية مثل تنزانيا عندما تهاجم أمامها منذ البداية وتفرض أسلوبك فإنك ستجعل مباراتك سهلة، أما في حالة البداية بنسق بطيء واللعب من أجل فرضية التعادل، فإن تنزانيا مع تقدم الوقت ستكسب الثقة."وختم قائلا:"حسب ما تابعت في المباراتين الماضيتين فإن منتخب تنزانيا لا يملك العناصر السريعة في الخط الأمامي التي تجعل تونس تخاف من الهجمات المرتدة."هل يراجع الطرابلسي حساباته؟بين غضب الشارع الرياضي، وتحليل الأرقام، وإجماع عدد من المتابعين على تأثير تونكتي الواضح، يبدو أن المدرب سامي الطرابلسي أمام اختبار حقيقي في اللقاء المصيري أمام تنزانيا.فإما الإصرار على النهج ذاته وتحمل تبعاته، أو التخلي عن “العناد الفني” ومنح سيباستيان تونكتي مكانه المستحق أساسيا، في مباراة قد تحدد مصير “نسور قرطاج” في كأس أمم إفريقيا 2025.(المشهد)۔۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
