فى الوقت الذى تحاول فيه جماعة الإخوان الإرهابية إعادة تدوير علاء عبدالفتاح كبطل مزعوم مدافع عن القضية الفلسطينية، وتقديمه للرأى العام الغربى بوصفه «ضحية سياسية»، عقب حملة الهجوم الواسعة التى تعرض لها فى بريطانيا بعد يوم واحد فقط من وصوله إلى لندن، كانت تسع تغريدات موثقة، واضحة وصريحة، نشرها «علاء» بنفسه فى صيف عام ٢٠١١، كفيلة بنسف هذه السردية الإخوانية من جذورها.
لم تتناول هذه التغريدات كلمة واحدة عن مجازر الاحتلال الإسرائيلى، ولا سطرًا عن حقوق الشعب الفلسطينى، كما تحاول منصات الإخوان الإرهابية الترويج لذلك كذبًا وتضليلًا، بل كشفت عن خطاب مختلف تمامًا، يقوم على التحريض المباشر على العنف، والدعوة إلى قتل «البيعض»، والترويج لفكرة الإبادة الجماعية، إلى جانب التحريض على الشغب والحرق، وتبرير استهداف الشرطة ومؤسسات الدولة، داخل مصر وخارجها.
ماكينة التزييف الإخوانية فى خدمة كل المخربين
رغم علم جماعة الإخوان بحقيقة الأسباب التى دفعت سياسيين وإعلاميين بريطانيين إلى شن هجوم علنى على علاء عبدالفتاح، فإنها تجاهلت عمدًا هذا الأرشيف الرقمى الخطير، وسارعت إلى القفز على الحقائق عبر تسويق رواية مضللة تزعم بأن الانتقادات الموجهة إليه جاءت بسبب مواقفه الداعمة لفلسطين، فى محاولة مكشوفة لتوظيف القضية الفلسطينية كغطاء سياسى وأخلاقى لإخفاء مضمون تحريضى لا يمكن الدفاع عنه.
لم يكن علاء عبدالفتاح يومًا ناشطًا حقوقيًا بالمعنى المهنى أو القانونى الذى تحاول ماكينة التزييف الإخوانية فرضه على الرأى العام، وهو ما كشف عنه خطابه العلنى ومنشوراته ومسيرته السياسية، الذى أظهر أنه يمثل نموذجًا للفوضوى السياسى ذى التوجه الأناركى، الذى يتخفى خلف شعارات الحرية وحقوق الإنسان، بينما يبرر استهداف مؤسسات الدولة، ويشرعن العنف بوصفه وسيلة مشروعة للتغيير.
الأخطر من خطاب علاء عبدالفتاح ذاته، هو هذا الاصطفاف العلنى والمكشوف بينه وبين جماعة الإخوان؛ وهو تحالف لا يمكن تفسيره بوصفه تعاطفًا إنسانيًا أو دفاعًا مبدئيًا عن الحقوق، بل باعتباره التقاء مصالح بين مشروعين يختلفان فى اللغة، ويتطابقان فى الهدف عبر هدم الدولة، ونزع الشرعية عن مؤسساتها، وإشاعة الفوضى كأداة سياسية تارة باسم الثورة، وتارة باسم حقوق الإنسان، ومؤخرًا باسم فلسطين.
ما يجمع الإخوان وعلاء عبدالفتاح ليس نضالًا ولا أخلاقًا، بل شراكة فوضى هدفها إسقاط الدولة، وتشويه مؤسساتها، وتبرير العنف متى خدم الهدف.
ّ الفوضوى المحرض
منذ منتصف العقد الأول من الألفية، ارتبط اسم علاء عبدالفتاح بخطاب عدمى يرى فى الدولة خصمًا وجوديًا، فلم تكن مواقفه مجرد نقد سياسى، بل تحولت فى محطات مفصلية إلى تحريض مباشر على العنف، وخلال أحداث دامية، من بينها أحداث ماسبيرو فى سبتمبر ٢٠١١، برزت منشوراته التى بررت الاعتداء على الجيش والشرطة، واستخفت بسقوط الضحايا، وذهبت إلى تبرير قتل الضباط وأقاربهم باعتباره ثمنًا ضروريًا للصراع.
هذا السجل الإجرامى المتطرف لم يكن سرًا، إلا أن إعادة تقديمه عمدًا كرمز «اضطهاد سياسى» تمت عبر فصل متعمد من جماعة الإخوان الإرهابية بين الصورة الإعلامية المضللة، والأرشيف الرقمى الحقيقى.
ولم تدافع جماعة الإخوان الإرهابية عن علاء عبدالفتاح من منطلق حقوقى ولا انحياز لمبدأ، بل ممارسة سياسية انتهازية مكشوفة، تحكمها حسابات الصراع لا قيم العدالة، فما روجت له الجماعة سابقًا باعتباره خلافًا أيديولوجيًا مع علاء، تبين أنه خلاف تكتيكى عابر، سرعان ما سقط أمام وحدة الهدف الحقيقى المتمثل فى استهداف الدولة الوطنية، ونزع الشرعية عن مؤسساتها، وتطبيع الفوضى بوصفها أداة تغيير.
لا تبحث جماعة الإخوان فى أزمة علاء عن الديمقراطية، أو حقوق الإنسان، أو حرية التعبير، بقدر ما تبحث عن أوراق ضغط قابلة للتوظيف، ووجوه يمكن تسويقها داخل الدوائر الحقوقية الغربية، وسرديات مظلومية جاهزة لإعادة التدوير، كلما احتاجت الجماعة إلى إشعال معركة جديدة ضد الدولة، ولذلك يشكّل علاء عبدالفتاح للجماعة نموذجًا مثاليًا باعتباره شخصية غير منتمية تنظيميًا بما يسمح بتقديمها كصوت مستقل، وشخصية مقبولة لدى بعض المنصات الحقوقية الغربية، وفى الوقت ذاته تحمل خطابًا فوضويًا وتحريضيًا يصلح ليكون وقودًا دائمًا لحملات التشويه والتحريض، دون أن تتحمّل الجماعة تكلفة مباشرة.
الدفاع عن علاء، بهذا المعنى، ليس دفاعًا عن شخص، بل هو استثمار فى الفوضى، وإعادة إنتاج لمعادلة قديمة لدى الإخوان بأن أى صوت يهدم الدولة هو حليف مؤقت، مهما كان تطرفه أو خطورته، أو خلافه الأيديولوجى معها.
بريطانيا.. من الترحيب إلى الانفجار
عند انتقال قضية علاء عبدالفتاح إلى بريطانيا، صنعت صورة جاهزة له بأنه سجين رأى، وأسهمت تقارير انتقائية وضغوط جماعات ضغط فى نشر رئيس الوزراء البريطانى تغريدة ترحيب بعلاء عقب وصوله إلى بريطانيا، لكن تلك اللحظة كانت بداية الأزمة.
فعقب يوم واحد من نشر تغريدة رئيس الوزراء البريطانى، فُتح الأرشيف الرقمى العلنى لعلاء، وما ظهر لم يكن دعمًا لفلسطين ولا نقدًا سياسيًا تقليديًا، ولكن كان خطابًا تحريضيًا يشرعن العنف والشغب والحرق، ويفتح أسئلة قانونية داخل بريطانيا نفسها حول التعارض مع قوانين مكافحة التطرف.
وعقب إعادة تداول التغريدات التحريضية المنسوبة إلى علاء عبدالفتاح، والتى تضمنت دعوات صريحة ضد البيض وضباط الشرطة، شهد الخطاب السياسى والإعلامى البريطانى تحولًا حادًا فى نبرته، فبعد مرحلة التعاطف الأولى، برزت مراجعات علنية داخل الأوساط البرلمانية والإعلامية والحكومية البريطانية بشأن خلفية الخطاب الذى جرى تجاهله عند الترحيب بوصوله إلى بريطانيا.
وتزايدت المطالبات البرلمانية بفتح تحقيق قانونى فى مضمون تلك المنشورات، والنظر فى مدى تعارضها مع القوانين البريطانية المتعلقة بالتحريض على العنف والكراهية، إلى جانب دعوات صريحة بإسقاط الجنسية البريطانية عنه، وفى ظل هذا الضغط السياسى المتصاعد، اضطر رئيس الوزراء البريطانى إلى الاعتذار علنًا عن تغريدة الترحيب، فى خطوة عكست اعترافًا بسوء التقدير، وعدم إخضاع الملف للفحص الكافى قبل اتخاذ موقف علنى بشأنه.
وعقب الهجوم الواسع الذى تعرض له علاء عبدالفتاح بعد نشر تغريداته التحريضية، تحرك التنظيم الدولى للإخوان لترويج سردية واحدة تتمثل فى أن الهجوم على علاء بسبب دعمه لفلسطين.
لكن الوقائع تكشف العكس، فالجدل البريطانى دار حول التحريض على العنف ضد البيض وضباط الشرطة البريطانيين، لا فلسطين، وبات مكشوفًا أن جماعة الإخوان تعمدت تحويل القضية الفلسطينية إلى ستار تضليل.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الدستور المصرية
