في عصر الأسواق الكبرى: أين يقف العرب؟
شريان الربط القاري
يشهد العالم اليوم تحولات عميقة في بنيته الاقتصادية والسياسية، تحولات يمكن وصفها بأنها انتقال إلى عصر الأسواق الكبرى ، حيث لم يعد النفوذ يُقاس فقط بالقوة العسكرية أو بالقدرة على فرض الهيمنة السياسية، بل أصبح يُقاس بقدرة الدول على بناء أسواق ضخمة متكاملة، قادرة على المنافسة، وعلى حماية مصالح شعوبها في مواجهة التحديات العابرة للحدود. في هذا السياق، تبدو المنطقة العربية وكأنها خارج اللعبة الكبرى، إذ ما زالت تعاني من الانقسامات الداخلية، ومن غياب رؤية إستراتيجية قادرة على تحويل ثرواتها البشرية والطبيعية إلى قوة اقتصادية جامعة.
المتأمل في المشهد الدولي يلحظ أن الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين، وحتى الهند، باتت تتحرك وفق منطق السوق الكبرى، حيث تتجاوز حدودها الوطنية لتبني تكتلات اقتصادية قادرة على فرض شروطها في التجارة العالمية، وفي إعادة تشكيل سلاسل الإمداد، وفي التحكم بمسارات التكنولوجيا والابتكار. أما العالم العربي، الذي يمتلك موقعا جغرافيا إستراتيجيا وثروات طبيعية هائلة وطاقات بشرية شابة، فما زال أسير التجزئة، وما زالت دوله عاجزة عن بناء سوق عربية موحدة، قادرة على أن تكون طرفاً فاعلاً في هذه المعادلة الجديدة.
المفارقة أن هذه الانقسامات ليست مجرد عائق اقتصادي، بل هي أزمة إنسانية في جوهرها. فالإنسان العربي، الذي يفترض أن يكون محور السياسة وغايتها، أصبح الحلقة الأضعف في معادلات السلطة. يدفع ثمن الصراعات الداخلية، ويُستنزف في حروب عبثية، ويُحرم من أبسط حقوقه في التعليم والصحة والعمل والكرامة، بينما تتحول السياسة إلى أداة لتكريس الفساد والهيمنة، بدل أن تكون وسيلة لحماية الإنسان وضمان مستقبله.
بناء سوق عربية كبرى يمكن أن يمنح الدول العربية قوة تفاوضية أكبر في مواجهة القوى الكبرى، ويجعلها طرفا فاعلا في إعادة تشكيل النظام العالمي.
لقد أثبتت التجارب أن السياسة بلا إنسان تتحول إلى عبث، وأن الاقتصاد بلا تكامل يتحول إلى تبعية. فحين تُدار الدولة بمنطق المحاور الإقليمية، أو بمنطق التبعية للقوى الكبرى، يصبح المواطن مجرد تفصيل جانبي، وتتحول حياته إلى رهينة لمعادلات لا يملك فيها أي صوت. وهذا ما نشهده اليوم في أكثر من بلد عربي، حيث تتصارع القوى الإقليمية والدولية على النفوذ، بينما يبقى المواطن أسيراً للفقر والبطالة وانعدام الأفق.
إن الدعوة إلى بناء سوق عربية كبرى ليست مجرد حلم رومانسي أو شعار سياسي، بل هي ضرورة إستراتيجية تفرضها التحولات العالمية. فالعالم لم يعد يتعامل مع الدول الصغيرة والمتفرقة إلا بوصفها أسواقاً هامشية، أو ساحات لتصفية الحسابات. أما الدول التي تملك القدرة على بناء تكتلات اقتصادية كبرى، فهي التي تستطيع أن تفرض شروطها، وأن تحمي مصالح شعوبها، وأن تضمن لنفسها مكاناً في النظام العالمي الجديد.
من هنا، تبدو فكرة التكامل المشرقي المغاربي مدخلا واقعيا لبناء هذا السوق العربي الكبير. فالتعاون بين دول الخليج والمشرق من جهة، ودول المغرب.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من وكالة الحدث العراقية
