شكّل عام 2025 منعطفًا حاسمًا في مسار الذكاء الاصطناعي. فبعد أن ظلّ لسنوات حبيس المختبرات والاستخدام المحدود، انتقل بقوة إلى صميم الحياة اليومية، وأنظمة الأعمال، والبحث العلمي التطبيقي. ولم يَعُد دوره مقتصرًا على توليد النصوص أو الصور، بل أصبح قادرًا على تحليل المشكلات المعقّدة، والاندماج العميق في البيئات الرقمية التي يعتمد عليها الأفراد يوميًا. وخلال هذا العام شهدنا تحولات وتطورات غيرت جذريًا تصوراتنا عن قدرات الذكاء الاصطناعي، وسرعة تطوره وتأثيره في مختلف جوانب الحياة. وفيما يلي، سنذكر أبرز التحولات التي شهدها الذكاء الاصطناعي هذا العام: 1- الصين تدخل عالم الذكاء الاصطناعي بقوة عبر DeepSeek من أكثر التطورات تأثيرًا في مجال الذكاء الاصطناعي كان من الصين مع إطلاق نموذج R1 من DeepSeek، الذي كسر احتكار الصدارة الذي تمتعت به شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية لسنوات. ومع أن نموذج R1 طُوّر بتكلفة أقل بكثير من نظائره الغربية، فقد قفز بسرعة ليحتل المركز الثاني في اختبارات تقييم عالمية مرموقة. من ناحية أخرى، أُتيح النموذج مجانًا على عكس العديد من النماذج الرائدة؛ مما سمح للباحثين والمطورين حول العالم تنزيله وتعديله ونشره. لكن ذلك أدّى إلى اضطراب السوق؛ إذ خسرت إنفيديا ما يقارب نصف تريليون دولار من قيمتها السوقية خلال أسابيع، ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الخطوة بأنها إنذار ، في إشارة واضحة إلى أبعادها الجيوسياسية في عصر الذكاء الاصطناعي المفتوح المنخفض التكلفة. 2- انتشار النماذج ذات القدرات العالية في الاستدلال شهد عام 2025 صعودًا ملحوظًا لنماذج الذكاء الاصطناعي التي تتمتع بقدرات عالية في الاستدلال، والمصمّمة للمهام المعقّدة، وبناء مسارات تفكير داخلية منظّمة قبل تقديم النتائج. وعلى خلاف الأجيال السابقة التي تعاملت مع الأسئلة البسيطة والمعقّدة بالآلية نفسها، جاء هذا الجيل ليوازن بين السرعة والعمق بنحو أكثر دقة. وكان لهذا التحول نتائج لافتة؛ إذ حققت أنظمة متقدمة أداءً بمستوى الميدالية الذهبية في الأولمبياد الدولي للرياضيات. كما كشفت Google DeepMind أن نماذجها الاستدلالية تُستخدم لتحسين أجزاء من عمليات التدريب الخاصة بها؛ مما فتح نقاشات واسعة عن إمكانية أن تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي في تطوير نفسها. 3- زيادة انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي الوكيل شهد عام 2025 انتشارًا أوسع لأنظمة الذكاء الاصطناعي الوكيل القادرة على التخطيط والتنفيذ وإتمام المهام باستقلالية. وقد نقلت هذه الأنظمة الذكاء الاصطناعي من مرحلة تقديم الشرح إلى مرحلة اتخاذ القرار والتنفيذ عبر ربط الاستدلال مباشرة بسير العمل الواقعي في مجالات مثل الجدولة، والبحث، وغير ذلك. 4- بنية تحتية عملاقة بقيمة تريليون دولار أصبح التوسّع السريع السمة الأبرز لصناعة الذكاء الاصطناعي في 2025. فقد تسابقت الشركات على بناء مراكز بيانات ضخمة قادرة على تدريب نماذج أكثر قوة وتشغيلها؛ مما دفع الاستثمارات العالمية في البنية التحتية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي إلى الاقتراب من حاجز التريليون دولار. ومع أن هذا الزخم سرّع وتيرة التقدم، فإنه أثار تساؤلات متزايدة عن استهلاك الطاقة، وإتاحة الموارد، والاستدامة على المدى الطويل. 5- الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا أساسيًا من أنظمة التشغيل في 2025، لم يَعُد الذكاء الاصطناعي مجرد تطبيق يضاف إلى الأجهزة، بل تحوّل إلى جزء مدمج في أنظمة التشغيل في الهواتف الذكية والحواسيب. فقد أصبحت أجهزة أندرويد وهواتف آيفون الجديدة، بالإضافة إلى حواسيب ويندوز، مزوّدة بمساعدات ذكية مدمجة في النظام، قادرة على تحرير الصور، وتلخيص المستندات، وصياغة الرسائل الإلكترونية، وتنظيم الرحلات، ويكون ذلك عبر أمر صوتي واحد أو نقرة بسيطة. 6- انتشار الحواسيب الشخصية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في عام 2025، ازدادت الحواسيب الشخصية المزوّدة بقدرات ذكاء اصطناعي مدمجة، وتتمتع هذه الحواسيب بقدرة أسرع على معالجة المهام، وتوفر للمستخدم خصوصية أعلى، وإمكانات للعمل دون اتصال بالإنترنت. ومع ظهور رقاقات متخصصة للتعامل بكفاءة مع مهام الذكاء الاصطناعي، بدأ التحوّل من الاعتماد الكامل على السحابة إلى حوسبة محلية أكثر شخصية. 7- الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي والعلوم والبيئة في القطاع الصحي، توسّع استخدام الذكاء الاصطناعي في التصوير الطبي، والتنبؤ بالأمراض، وتحليل الشيخوخة البيولوجية؛ مما أتاح فرصًا أوسع للتشخيص المبكر والرعاية المخصّصة. كما اختصرت المحاكاة المدعومة بالذكاء الاصطناعي أطر البحث في علوم المناخ والكيمياء والفيزياء من سنوات إلى أشهر. من ناحية أخرى، قدّمت نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة في مجال المناخ والطقس تنبؤات أكثر دقة، أسهمت في تحسين الاستعداد للكوارث والتخطيط البيئي، لتقدّم مثالًا ملموسًا على الفوائد العامة التي يمكن أن يحققها الذكاء الاصطناعي. 8- علاقات عاطفية بين الإنسان والآلة مع تحسّن قدرات الذكاء الاصطناعي في محاكاة التعاطف، لجأ عدد متزايد من المستخدمين إليه بهدف الرفقة، والدعم النفسي. هذا التحول أثار مخاوف أخلاقية وتنظيمية، خاصة بعد ظهور تقارير عن تفاعلات ضارة أو غير مناسبة، وخاصة مع الفئات التي تعاني اضطرابات نفسية؛ مما أدّى إلى دعاوى قضائية وتحقيقات رسمية. وردًا على ذلك، عزّزت الشركات أنظمة الأمان والإشراف، في مؤشر على مدى تغلغل الذكاء الاصطناعي في الجوانب الشخصية والعاطفية. 9- تبنّي مؤسسي واسع النطاق واستجابة حكومية انتقلت الشركات من التجارب المحدودة إلى دمج نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة في مجالات التمويل والامتثال والعمل المعرفي. وفي المقابل، بدأت الحكومات ومنها الصين بصياغة تشريعات تستهدف بنحو خاص أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات التفاعل العاطفي، في اعتراف متزايد بتأثيرها الاجتماعي. نسخ الرابط تم نسخ الرابط
نسخ الرابط
هذا المحتوى مقدم من بغداد أوبزرفر
