لا تختفى الأوطان فجأة، ولا تُمحى من الخرائط فى ليلة واحدة، ما يحدث غالبًا هو شىء أكثر هدوءًا وأشد خطرًا. تآكل بطىء للمعنى، وانكسار للوعى، ثم لحظة سياسية فاصلة يُكتشف بعدها أن الوطن لم يعد كما كان، أو لم يعد موجودًا أصلًا.
بهذا المعنى، لا تمثل قصة عربستان استثناءً فى التاريخ، بل نموذجًا متكررًا لما يحدث حين يتقاطع الضعف الداخلى مع الظرف الدولى والصمت الإقليمى.
كان إقليم عربستان، المعروف اليوم باسم خوزستان أو الأحواز، ذا أغلبية عربية ويتمتع بحكم ذاتى فعلى فى مطلع القرن العشرين، تحت حكم الشيخ خزعل الكعبى. وتعداد يصل إلى ٨ ملايين نسمة. لم يكن دولة مستقلة كاملة، لكنه لم يكن مجرد محافظة هامشية.
عام ١٩٢٥، أُلغِى هذا الوضع الخاص، وضم الإقليم إلى الدولة الإيرانية بالقوة السياسية والعسكرية، فى سياق دولى سمح بذلك، وترتيبات المخابرات البريطانية وبصمتٍ إقليمى لم يكن بريئًا.
لم تُسقِط عربستان حرب كبرى، لكنها لم تُسلَّم طوعًا أيضًا؛ بل سقطت حين غاب من يدافع عنها، وحين لم يُدرك الخطر فى وقته.
عربستان ليست الحالة الوحيدة، فالتاريخ ملىء بأمثلة مشابهة، تؤكد أن ضياع الكيانات لا يرتبط فقط بالهزيمة العسكرية.
فى الأندلس، لم تنتهِ الحضارة الإسلامية بضربة واحدة، بل عبر قرون من الانقسام الداخلى، حتى سقط آخر كيان سياسى فى مملكة غرناطة باتفاق وتسليم، لا بمعركة فاصلة، ثم لم يلبث الوجود نفسه أن تلاشى. وفى شرق إفريقيا، اختفت دولة زنجبار ككيان عربى- إسلامى خلال أيام، بعد انقلاب أطاح بالسلطة، ولم يبقَ من الدولة سوى ذكرى فى كتب التاريخ. أما فلسطين، فهى المثال الأوضح على ضياع الوطن عبر السياسة قبل السلاح: وعود، وانتداب، وتقسيم، ثم واقع جديد فُرض تدريجيًا، وأصبح معترفًا به.
الظاهرة ليست عربية فقط، فهناك أمثلة عالمية.
بروسيا كانت دولة مركزية قوية فى أوروبا. أُلغيت رسميًا بعد الحرب العالمية الثانية. اختفى الاسم والكيان رغم القوة العسكرية السابقة مما يدل على أنه حتى الدول القوية قد تُمحى بقرار دولى.
هنا لابد من ذكر الاتحاد السوفيتى، قوة عظمى نووية، ثم انهيار من الداخل (١٩٩١) دون حرب خارجية، ما أدى إلى تفكك فى ١٥ دولة.
تشيكوسلوفاكيا، دولة قائمة ومعترف بها، انقسمت سلميًا عام ١٩٩٣ إلى دولتين، لم تختفِ بالحرب بل بالاتفاق.
المملكة المتحدة تظهر فيها بوادر الانقسام بين الحين والآخر من أسكتلندا إلى أيرلندا إلى ويلز.
الكيانات قد تتغير جذريًا عبر السياسة وحدها، فهذه الأمثلة لا تُستدعى للمقارنة العاطفية، بل لتأكيد حقيقة تاريخية واحدة: الدول قد تزول دون أن تُهزم جيوشها، إذا انهزم وعيها أو تفتت قرارها.
من الماضى إلى الحاضر العربى يستدعى أن ننظر اليوم إلى العالم العربى، فلا يمكن قراءة قصة عربستان بوصفها حدثًا منتهيًا، بل مرآة تحذيرية.
فى السودان، لم يبدأ التفكك بالحرب وحدها، بل سبقته سنوات من الاستقطاب، وضعف الدولة، وانفصال المركز عن الأطراف، حتى أصبح التقسيم واقعًا، ثم دخلت البلاد فى دوامة صراع وجودى.
وفى.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة المصري اليوم
