د.عبدالحميد الشايجي: الوصيّة الواجبة.. تنظيمٌ مشروع أم تعديلٌ ممنوع؟

لم يكن الجدل حول الوصيّة الواجبة جدلًا فقهيًا عابرًا، ولا خلافًا تقنيًا في الصياغة القانونية، بل هو في حقيقته نقاشٌ عميقٌ حول حدود التدخّل التشريعي، وضوابط الإحسان، والفاصل الدقيق بين ما يجوز تنظيمه، وما يُمنع تعديله في الشريعة الإسلامية. فالقضية لا تتعلّق برفض الإحسان، ولا بمخاصمة المقاصد، وإنما تتصل بسؤالٍ أدقّ: كيف يُمارَس الإحسان دون أن يتحوّل إلى عبثٍ بالنصوص القطعية، أو تعديلٍ في بنية الفرائض التي تولّى الله سبحانه تقسيمها بنفسه؟

وبعد ما تقرّر في المعالجات السابقة من ضبط موقع الوصيّة الواجبة داخل الثلث، والفصل الوظيفي الدقيق بينها وبين باب الفرائض، تأتي هذه الخاتمة لتضع السؤال في صورته النهائية: هل ما يُمارَس اليوم في بعض التشريعات تنظيمٌ مشروع، أم تعديلٌ ممنوع؟

ولا خلاف بين الفقهاء في أصل الإحسان، ولا في مشروعية معالجة بعض الحالات الإنسانية الاستثنائية، وإنما الخلاف الحقيقي يدور حول الطريق إلى هذا الإحسان:

أهو تنظيمٌ منضبط يعمل داخل النص، أم تعديلٌ يتجاوز حدّه فيصادم الفرائض القطعية؟

ومن هنا، فإن معالجة ملف الوصيّة الواجبة لا يجوز أن تُختزل في عاطفةٍ اجتماعية، ولا أن تُدار بمنطق التعويض، ولا أن تُحمَّل منظومة المواريث ما لم تُكلَّف به شرعًا.

فالعدل في الشريعة لا يُبنى على ردود الأفعال، ولا على استدراك ما فات بالأحكام، بل يقوم على احترام النص، وضبط الاستثناء، ومنع تحوّل المعالجة المؤقتة إلى قاعدةٍ عامة. ولهذا فرّق الشرع تفريقًا حاسمًا بين باب الوصيّة وباب الإرث؛ فالوصيّة، في أصلها الشرعي، بابُ إحسانٍ واختيار، يُفتح قبل الموت، ويُنفَّذ بعده، ضمن حدودٍ منضبطة جعل الشارع لها سقفًا واضحًا لا يُتجاوز، وهو الثلث. أما الإرث، فهو بابٌ آخر مختلف في حقيقته ومقاصده، قائم على القسمة الجبرية، والنص القطعي، ونظام الحَجْب، وتقديم بعض الورثة على بعض بحكمةٍ ربانية لا يملك أحدٌ حق تعديلها أو إعادة ترتيبها.

والإشكال الجوهري الذي وقع فيه بعض الطرح المعاصر، هو الخلط بين هذين البابين؛ حين أُلبست الوصيّة الواجبة لباس الإرث، لا في التسمية فقط، بل في الأثر والمآل. فأُعطي بعض غير الورثة ما كان سيؤول لغيرهم لو تغيّر ترتيب الحياة والموت، وكأن الأحكام تُبنى على الافتراض، أو تُستدرَك السنن الكونية بتعديل النصوص القطعية.

وهذا منطقٌ لا يستقيم لا شرعًا ولا تشريعًا؛ فأبناء الابن محجوبون بالإجماع بوجود الجد، وهي قاعدة قطعية في الفرائض. فإذا أُعطوا مقدار ما كان سيَرِثه أبوهم لو عاش، لم نكن أمام وصيّة، بل أمام توريثٍ مقنّع ألغى الحَجْب عمليًا، وأدخل من ليس وارثًا في قسمة الإرث، ولو سُمّي ذلك عدالة اجتماعية أو جبر خواطر.

والعدل لا يكون.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة القبس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة القبس

منذ 3 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 11 ساعة
صحيفة الراي منذ 3 ساعات
صحيفة الجريدة منذ 3 ساعات
صحيفة الوطن الكويتية منذ 4 ساعات
صحيفة الجريدة منذ 4 ساعات
صحيفة الراي منذ 12 ساعة
صحيفة الجريدة منذ 8 ساعات
صحيفة القبس منذ 4 ساعات
صحيفة الأنباء الكويتية منذ ساعتين