عدنان الباجه جي: عندما عرف السعيد مسبقا بانقلاب 14 تموز قال"دار السيد مأمونة".. والانجليز لم يحركوا اي ساكن

عدنان الباجه جي.. رجل بين قرنين

تنشر رووداو على حلقات كتاب "عدنان الباجه جي.. رجل بين قرنين"، فهذا الدبلوماسي الذي مثّل العراق في الأمم المتحدة لأكثر من 50 عاماً، وتبوأ منصب وزير الخارجية في الستينيات، ولد في بدايات القرن الماضي، ورحل في الربع الأول من القرن الحالي، وبهذا يكون بالفعل قد عاش بين قرنين مزدحمين بالأحداث العراقية والعربية والدولية.. كما التقى الملك فيصل الأول، مؤسس العراق الحديث، وعاصر كل رؤساء حكومات العهد الملكي ورؤساء الجمهوريات العراقية وصولاً إلى صدام حسين وما بعده. هذا الكتاب ليس مذكرات بالمعنى التقليدي، لم يكتبها الباجه جي بنفسه، بل هو صفحات بارزة من حياته، وتطلّب إنجازه المرور بمراحل عدة وعلى مدى أكثر من سبع سنوات، وعبر محطات بدأت في لندن عام 2010 وانتهت في أبو ظبي عام 2017.. أنا أسأل وهو يسرد بدقة.. كنا نتناقش، ونحلل، ونبحث، ونمضي خلال أزمنة ودروب وأزقة تنطلق من حي السنك في شارع الرشيد، حيث ترعرع الباجه جي، ونذهب إلى مدن بعيدة، نجتاز بحاراً وقارات لنتتبع قصصاً وأحداثاً وشخوصاً وتواريخ.. تحدثنا عن السياسة والمدن والأزياء وأسلوب حياة المجتمع العراقي خلال مائة عام تقريباً

 

الحلقة (15)

الدنيا مقلوبة ببغداد

كانت اجواء الانقلاب العسكري فجر يوم 14 يوليو(تموز) مفاجأة لعدنان الباجه جي ولعائلته ولجميع العراقيين الذين عاشوا سنوات حكم العهد الملكي بلا هذه المفاجآة. لم يعرف الباجه جي ما يفعله بعد سماعه للبيان رقم واحد للانقلاب بصوت العقيد عبد السلام عارف وقتذاك، فهو وعائلته أمام حالة جدية لم يتمرنوا عليها سابقا ولم يضعوها في حساباتهم، يوضح: "كان بيتنا في كرادة مريم وسط البساتين في منطقة شبه منعزلة، والشرطة التي وضعوها لحمايتنا تركتنا وذهبت، وسيارتي البونتياك كانت لا تزال تحمل لوحة أرقام أميركية، قلت: إذا خرجنا بها الآن سوف يهجم علينا الناس ظنا منهم بأننا أميركان أو إنجليز، لهذا طلبت من والدتي أن تبعث لنا سيارة والدي مع السائق (علي) الذي لازم والدي طويلا وهو رجل طيب، وقد قمت بتعيين 3 من أبنائه في حمايتي عندما عدت إلى بغداد بعد 2003"

عراقيون وسط بغداد صبيحة 14 تموز 1958

ويشرح الباجه جي بالتفصيل حالة الهياج التي بلغها الناس يومذاك، يقول: "وصل السائق وقال: (الدنيا مقلوبة ببغداد) والناس هائجة، قلت له: أدري، لكننا يجب أن نترك هذا البيت، فصعدنا بسيارة والدي الـ(بيوك)، أنا وزوجتي وبناتي الثلاث ومربيتهم وعبرنا جسر الملكة عالية الذي صار اسمه فيما بعد جسر الجمهورية، كان الناس في جانب الرصافة، منطقة الباب الشرقي، حيث مركز بغداد، يملأون الشوارع، وعيونهم تتفحصنا بينما السيارة تسير بصعوبة بسبب الازدحام حتى إن وصولنا استغرق أكثر من ساعة إلى بيت والدي في حين أن هذه المسافة لا تستغرق سوى 10 دقائق في الظروف الاعتيادية، وبعد وصولنا إلى بيت والدي تم الإعلان عن حظر التجوال، ثم تم الإبلاغ عبر الإذاعة موظفي الدولة بالدوام في دوائرهم، فذهبت في اليوم التالي إلى وزارة الخارجية، كان هناك وزير جديد اسمه عبد الجبار جومرد، وهو من الموصل وكان يعرف والدي كونه في المعارضة ويعرفني أنا أيضا. ولجومرد قصة، فعندما تسلم البعثيون السلطة عام 1963 قالوا له سوف نعينك سفيرا فاختر أي بلد تريد، فرفض وقال أريد أن أكون قائدا للفرقة الأولى، فاستغربوا وقالوا له، أنت رجل مدني وليس ضابطا عسكريا حتى تكون قائد فرقة، فأجاب، لماذا تعينون الضباط سفراء والسفراء لا يحق لهم أن يكونوا ضباطا"

الدولة باقية

وحسب اعتقاد الباجه جي أن طلب النظام الجديد من الموظفين الالتحاق بدوائرهم كان تصرفا حكيما لاستمرارية الحياة الطبيعية، فالدولة لا تزال قائمة رغم تغيير نظام الحكم، يقول: "طلبني الوزير فذهبت لمقابلته، قال: (نريد تشكيل لجنة للنظر في شؤون الموظفين، فهناك موظفون ليس لهم ولاء للجمهورية ومن العهد الملكي ويجب إخراجهم)، قلت له: إنهم ليسوا سوى موظفين، وولاؤهم للدولة سواء كانت ملكية أو جمهورية، ويجب أن يكون التعامل معهم حسب الكفاءة، فأجاب بأن (هناك ضغوطا تطالب بإخراجهم)، وهذه الضغوط كانت من قبل الشيوعيين. أما أنا فلم يعترضوا علي وكانوا يعرفون أن توجهاتي الوطنية كانت تتعارض مع توجهات البلاط والحكومة، لكن الشيوعيين لا يثقون بشخص من طبقتي"

لم تكن في العراق وزارة باسم الإعلام أو الثقافة بل كانت هناك وزارة الإرشاد وحسب اياضاح الباجه جي:"كان وزير الارشاد في العهد الجمهوري صديق شنشل الذي طلب مني القيام بقراءة التقارير الصحافية التي يبعثها المراسلون الأجانب لوكالاتهم وصحفهم، إذ قال لي: (هناك عدد من الصحافيين الأجانب في فندق بغداد، ونريدك أن تذهب إلى هناك لقراءة تقاريرهم قبل إرسالها، فنحن لا نعرف ماذا يكتب هؤلاء ويرسلون لصحفهم ووكالاتهم)، بالفعل كنت أذهب من الساعة التاسعة من كل ليلة إلى فنذق بغداد الذي لم يكن هناك فندق راقٍ سواه وقتذاك، وأقرأ تقارير المراسلين الأجانب التي كنت غالبا ما أمررها وأعود إلى البيت عند الثانية صباحا، إذ كان حظر التجوال ليلا ساريا، لكن الحكومة زودتني ببطاقة عدم تعرض، ووضعت عريفا من الجيش لمرافقتي، واستمر هذا الوضع شهرا كاملا"

نوري السعيد شخصية وطنية

الباجه جي، وعلى الرغم من التصرف السلبي الذي بدا من قبل نوري السعيد، والمعاملة التي اعتبرها قاسية تجاهه بحذف اسمه من سجل موظفي الخارجية الاتحادية، فإنه يتحدث بحيادية عنه، يقول: "نوري السعيد والوصي عبد الإله والحكومات التي تعاقبت على حكم العراق كانت وطنية، لكن كانت هناك اجتهادات سياسية خاطئة، يعني تدخل الأمير عبد الإله في شؤون الوزارة، وهذا ليس من شأنه، وإصراره على إعدام الضباط الأربعة، وعدم السماح للملك فيصل الثاني الذي كان قد توج عام 1953 بممارسة دوره سوى توقيع الإرادات الملكية، فقد كان الوصي يستخدم صلاحيات الملك بتعيين أعضاء مجلس الأعيان وصلاحية إقالة الحكومة، وتعيين كبار الموظفين وحل مجلس النواب وهذا كان يتم بإرادة ملكية. حتى إن خلافه مع رئيس الحكومة رشيد عالي الكيلاني كان بسبب عدم توقيعه على إرادات ملكية ومراسيم ولهذا توقف عمل الحكومة والدولة". ويستغرب الباجه جي من عدم أخذ حكومة السعيد أي احتياطات ضد احتمال قيام مثل هذا الانقلاب، على الرغم من أن "الناس كلهم كانوا يتحدثون في الشوارع والمقاهي عن قرب وقوع انقلاب، وأتذكر إن مدير مزرعة علي جودت الأيوبي في جلولاء،ديالى، والقريبة من الوحدة العسكرية التي كان فيها عبد الكريم قاسم، أبلغ الأيوبي بأن هناك تحركات مريبة، وأنه سمع كلاما من ضباط عن قرب وقوع انقلاب، وقد أوصل الأيوبي هذه المعلومات إلى عبد الإله، الذي أبلغها بدوره إلى نوري السعيد الذي قال جملته المشهورة: (دار السيد مأمونة) وأن (لا خوف على الدولة من الجيش فنحن نثق به). لكنني على يقين بأن الاستخبارات البريطانية، وهي عريقة، كانت قوية وفاعلة في العراق، وكانت تعرف بقرب حدوث شيء من هذا القبيل. وليس من المعقول أنهم لم يعرفوا شيئا عن الثورة لا سيما أن.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من موقع رووداو

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من موقع رووداو

منذ 10 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 18 دقيقة
منذ 9 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 9 ساعات
قناة السومرية منذ 22 ساعة
قناة الاولى العراقية منذ 21 ساعة
قناة السومرية منذ 23 ساعة
قناة السومرية منذ 17 ساعة
قناة السومرية منذ 17 دقيقة
قناة السومرية منذ 14 ساعة
قناة الرابعة منذ 10 ساعات
قناة السومرية منذ 17 ساعة