كنت أخطط لاستكمال ما بدأته الأسبوع الماضى من حديث عن مسلسل (الحشاشين)، والنجاح الكبير الذى أحرزه على مستوى المشاهدة، وما أثاره من جدل مواز طرح خلاله العديد من القضايا والأسئلة كان أبرزها هو طبيعة العلاقة الملتبسة بين الفن والتاريخ أو الأدب والتاريخ وبصيغة أخرى الدراما والتاريخ! لكن خبر رحيل الفنان الكبير والقدير جدًا صلاح السعدنى دهمنى بوطأته وأساه وثقله! لم يكن صلاح السعدنى فنانًا عاديًا، ولا مجرد ممثل يحظى بقبول وجماهيرية بين مشاهديه خاصة فى فترة توهجه وتألقه الكبيرة فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، إنما كان فنانًا من الطبقة الأولى الراقية، طبقة الفنانين الممتازين أصحاب الثقافة العالية والرؤية العميقة والنافذة والاختيارات الدقيقة لأدوارهم فى السينما والتليفزيون على السواء! صلاح السعدنى هو المصرى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، من حضور عميق للزمن والتاريخ والأصل! من تحمل للشدائد والصعاب والمحن، من خفة ظل وسخرية وتهكم يواجه بها القهر والاستبداد والأمراض التاريخية المزمنة! إنه باختصار وفى كلمة جامعة «حسن أرابيسك» الشخصية التى يطول فيها الكلام ويطول فيها كل ما تحب أن تقوله من كلمات الرضا والإعجاب والحنين والبحث عن الأصل الذى طمر تحت ركام الجهل والتخلف والنزعات الاستهلاكية المدمرة وفساد الذوق وتدمير المعنى والقيمة والأثر!
(2)
منذ شاهدت مسلسل «أرابيسك» فى النصف الأول من تسعينيات القرن العشرين، وأنا مفتون بوقع كلمة أرابيسك وسحرها ونفاذها المذهل إلى روحى، ترسبت فى وجدانى واحتلت مكانها فى نفسى، وأمضيت الأيام والشهور فى البحث عن معناها وعن حضورها فى الفن والتاريخ والثقافة المصرية والعربية. فى وقتها لم أكن أعلم أو أمتلك تفسيرا مقنعا لتعلقى (أو إذا شئت الدقة هوسى بالكلمة ومعناها وإحالاتها وصورها البصرية) بعد ذلك بسنوات قرأت مقالًا للكبير عبدالله السناوى فى «الشروق» ربما كان هو أدق تفسير لهذه الحالة، يقول الأستاذ القدير: فى رائعته «أرابيسك» تماهت حيرته مع حيرة بطله «حسن النعمانى» (التى جسدها الفنان صلاح السعدنى). كلاهما يريد أن يعرف «من نحن؟». وكلاهما يرفض التلفيق تحت أية ذريعة. تجول فى شوارعه الضيقة وجلس على مقاهيه العتيقة وحاول بقدر موهبته الاستثنائية أن يستلهم روح المكان وطبائع البشر. اختار «الجمالية» دون غيرها لاعتبارين أولهما، إنسانى بأثر ملهمه «نجيب محفوظ» الذى احتذى خطاه فى كتابة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من جريدة الشروق
