المرأة الكاتبة. وتفكيك الذات الذكورية

تتباين صور الخوف والرغبة في حماية الذات في النصوص الأدبية النسوية العربية حيث تنزوي البطلات باختيارهنّ في سلسلة من القواقع المعنوية. وعلى الرغم من خروجهن من قوقعة المنزل إلى التعليم والعمل في الحياة المعاصرة، إلا أن التقوقع حول الذات لا يزال يجتاح هذا السرد النسوي في دوائر زمانية وأخرى مكانية، حيث قد يبدأ التقوقع من التقوقع في الجسد، ليمتد إلى داخل المنزل، فالحي فالمدينة، لينتهي في الدولة ثم الكون. وأشكال التقوقع في كل تلك الأماكن هو صناعة الدوائر العازلة للذات داخل كل مكان من تلك الأمكنة، وتتمثل الدوائر العازلة في النفس أو الذات، بمعنى أن التقوقع في الدوائر، مهما اتسعت، يتضادّ مع الانفتاح على العالم والآخرين.

أما الدوائر الزمانية فتتمثل في الانقطاع في اللحظة المعاصرة، بسبب القطوع التي طرأت على الذاكرة/ الذات، بفعل التغيير الحضاري المتلاحق، وتركيز الكاتبات على هذه اللحظة يُعد هرباً من التغيير المستمر في الزمان والمكان لمحاولة الإمساك بتلك اللحظة الخالدة (الآن والهُنا)، حيث تنحصر الذات في الحاضر وعن طريق الاسترجاع، وتُصبح هذه اللحظة الواحدة زمناً ممدوداً، تتحوَّل فيها الدقائق- داخل الوعي- إلى ساعات طويلة.. وهنا يظهر شكل الدائرة في تركيب القصة حيث النهاية هي نفسها البداية. وبهذا تهرب الكاتبة من المتغيرات التي تزخر بها أطراف عجلة الدائرة إلى مركز الدائرة حيث السكون والتأمل.

الهوية لا تتجسد

تقول لطيفة الزيات في «أوراق شخصية»: «ونحن نفقد هذه الذات... نصبح محدودين، محبوسين في قفص، متحلّقين حول الأنا، حين نغرق في بحر من التفاهات، وفى دائرة أبدية خبيثة... إلى قدرنا ونهايتنا، ونحن إذّ ذاك نفقد ذواتنا، لا بمعنى استعاري، بل فعلاً وواقعاً... إلى حدّ لا نصبح معه بعد ذلك أنفسنا».

وتعكس هذه القواقع، إجمالا، إشكالية أخرى أساسها الهوية؛ ذلك أنه في الوقت الذي تكون فيه موضع تساؤل من طرفها؛ فإنها ستبقى على الدوام مشغولة بتأكيد وجودها، ولا يمكن أن يضعف هذا الهاجس الذاتي إلا عندما تختفي الشروط التي تهدد المرأة في حضورها الأنطولوجي. فالهوية «صيرورة تتخلق في اللاوعي عبر الزمن، وليست معطىً في الوعي مع الميلاد... ولذلك فإن الهوية لا تتجسد كشيء متكامل فينا، وإنما هي حالة من التماهي في صيرورة متحولة دوماً. تتخلق فيها الهوية في داخلنا كأفراد، لا من تحقُّق الذات بالكامل، وإنما في فقدانها لهذا التحقُّق والتكامل أو من الطريقة التي نتصور من خلالها أن الآخر موجود خارجنا ويتصورنا بها».

ينطوي هذا التصور بالطبع على زعزعة جذرية للمفهوم القديم للذات المركزية الثابتة. ويطرح بديلاً له حقيقة أن الذات -هي- في سعي مستمر لتخليق ذاتها وصوغ هويتها، أي أنها تبني باستمرار سيرتها وصيرورتها معاً، بصورة تنسج عبرها الأجزاء المختلفة لذواتنا في وحدة تسعى على الدوام لاحتياز الاكتمال المفقود. تقول لطيفة الزيات: «وحين نطعن في السنّ نُسقط الكثير من التحفظات عن الذات، وتواتينا الجرأة على وضع هذه الذات موضع التشريح الدامي والموجع، ولا تواتينا الجرأة في مثل هذه السن المتقدمة إلا إذا واتانا النضوج، ومع النضوج التصالح مع الذات، واندراج مسار هذه الذات في عقد منظوم».

الواقع والمصير والبصمة

فالذاتية هنا ليست مرتكزاً- نسوياً- فحسب؛ بل هي الخروج من الصمت، والاسترداد لذاكرة الكلمات؛ ذلك لأن الصمت لا يُعد انعكاساً مباشراً لمكانة النساء أو دورهن في المجتمع...؛ بل ما تقوله هؤلاء النساء وما سيقلنه بالفعل، من نصوص غنية ومتجانسة أو محدودة وغير مفهومة، تنتمي في ظاهرها إلى الترجمة الذاتية أو لا تنتمي، يجب تأويله من منطلق الظروف التاريخية والسياسات الاجتماعية...هذا ما دفع بـ»جاك لاكان«إلى تأكيد أن الهوية مبنية بالطريقة نفسها التي تُبنى بها اللغة، وأن اللاوعي مبني هو الآخر وفق منطق العلاقات السياقية التي تتوالد بها المعاني من خلال عمليات الإرجاء والإزاحة.... وقد كشف «دريدا » أن كل مقولاتنا تحمل في تضاعيفها باستمرار الكثير مما نغفل عنه، أو نكون على درجات واهنة من الوعي به، لأن ذلك كله يسري في دم الكلمات إذا جاز التعبير.

تقول لطيفة الزيات- في الشيخوخة-: «تأتّى علي أن أستعيد الكلمات لأبني من جديد لغتي... أصارع لكيلا يغيب خبري عن مبتدئي، لكيلا تغيب عنّي ذاكرتي... تأتّى عليّ أن أكون».

وتُبلْور كتاباتُ «ميشيل فوكو»، التي اهتمَّت بالبحث في سلالة الذات الحديثة، تصوُّرَه عن الذات الثقافية- إن جاز التعبير- حيث يتم إغراقها في المجتمع الحديث في سيل من الوثائق والمعلومات التي تتعلق بها أطروحة المعرفة/.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوطن السعودية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الوطن السعودية

منذ 3 ساعات
منذ ساعتين
منذ 7 ساعات
منذ ساعتين
منذ 4 ساعات
منذ 3 ساعات
صحيفة الشرق الأوسط منذ ساعة
صحيفة سبق منذ 6 ساعات
صحيفة عاجل منذ 3 ساعات
صحيفة عكاظ منذ 25 دقيقة
صحيفة سبق منذ 21 ساعة
صحيفة الشرق الأوسط منذ 6 ساعات
صحيفة سبق منذ 6 ساعات
صحيفة المدينة منذ 11 ساعة