إبراهيم البليهي: لم أندم.. والأفكار تتغيّر

يُحسبُ للمفكّر إبراهيم البليهي أنّه أوّل من تصدّى لبِنْيَة التخلّف بشجاعة، وربما دفع أثماناً باهظة، كونه حررنا من وثوقيّة مُزْمِنة، ولفت انتباهنا إلى الاستعلاء الوهمي، وأوقفنا على حقائق وأسباب الضعف التي رفضنا زمناً الاعتراف بها، ورغم ما جُوبه به من نقد وردود أفعال من الأطياف كافة، بمن فيهم المبشرون بالتنوير، إلا أنك تستقرئ من ملامحه سعادة غامرة، ففي داخله شيء من الرضا، بحكم أنه فتح درف النافذة لضوء الشمس قبل غيره، وأوقد شموعاً في عِزّ الظلام حين كان بمفرده، وبنى جسراً لمن أراد الانتقال من ضفّة ضيّقة إلى ضفاف أرحب وأكثر تنوّعاً، ولعلّه أراد أن يصدم ويصطدم، لثقته أن التفاعل والحراك قادم والمسألة مسألة وقت.

هنا نطلّ على عزلته الاختيارية، أملاً في منحنا شيئاً من طاقته الإيجابية المُعززة نوايا مواصلة المسير..

هل تتغير قناعات المُفكّر؟



نعم تتغيرَّ الأفكار بل إنه بمقدار عمق التفكير والتشبع بطبيعة الفكر وطبيعة المعرفة البشرية يكون استعداده للتغير.

ماذا لو ثبتت لك ظنية بعض نظرياتك؟



الأصل أن المعرفة البشرية معرفة ظنية، فالذي يعتقد بأنه يملك الحقيقة المطلقة هو خارج نطاق التفكير العلمي، لذلك فاحتمال الخطأ وارد حيال أي موقف أو رأي أو فكرة.

كيف ترى تحولنا من خطاب منبري إلى طرح فلسفي؟



الخطاب الفلسفي هو خطاب فردي، ولا يمكن أن تصير الفلسفة ثقافة مجتمع بما في ذلك (أثينا) التي طاردت الفلاسفة وأعدمت (سقراط)، فمن الخطأ توهم أن المجتمع اليوناني أو الأثيني تقبَّل الفلسفة، فهذه من الأوهام التاريخية الكبرى.

متى يجني المفكر ثمار أفكاره؟



المفكر لا يتوقع الاستجابة السريعة، وفي الغالب يموت المفكر دون أن يجد أي استجابة، والأمثلة على ذلك كثيرة بعدد المفكرين في التاريخ.

هل خامرك «الندم» يوماً بسبب مبادرتك بحمل لواء الفكر والفلسفة في بلادنا؟



بالعكس، لم أفعل ما يستوجب الندم، فمحاولة التنوير هدفٌ يستحق تحمل ردود الفعل المناوئة.

من أين جاءت بنية التخلف؟



التخلف لا يأتي من أخطاء الاجتهاد، وإنما يأتي من ادعاء العصمة، وتَوَهُّم الكمال والاعتقاد بامتلاك الحقيقة المطلقة. الخطأ سمةٌ إنسانية أساسية فيجب التعامل مع هذه السمة بواقعية إيجابية وعقلانية متفتحة، لذلك يجب التفريق الحاسم بين خطأ الاجتهاد وخطأ الاهمال.

ماذا عنيت بكتابك «حضارة معاقة»؟



حاولتُ في كتابي (حضارة معاقة) أن أنبّه إلى أنه رغم التقدم الهائل الذي حققته الحضارة في الأفكار والعلوم والفنون والتقنيات، وبلغ ازدهار الوسائل أقصى المدى، إلا أنه رغم كل ذلك فإنها ما تزال تعاني من خلل بنيوي أبقاها معاقة، إذ ركّزت الاهتمام في كل العالم على الجانب الاقتصادي، وعلى أدوات ووسائل الصراع فتضخم هذا الجانب وابتلع كل الطاقة المتاحة ولا يكتفي الاقتصاد بابتلاع كل الطاقة المتاحة وإنما الصراعات الاقتصادية والمنافسات تستنفر أسوأ ما في الطبيعة البشرية من قابليات، ويكفي أن نطلع على ما يتم إنفاقه في العالم على الجوانب العسكرية لندرك المسافة الهائلة التي تفصل الإنسانية عن المستوى الحضاري الذي يليق بالإنسان المتحضر.

كيف ترى الواقع؟



الحياة البشرية لا تزال مستغرقة في متطلبات صراعات البقاء، فتركزت الطاقة الإنسانية على الجانب الاقتصادي والعسكري، ولم يكن ذلك على مستوى الدول فقط، بل إن الأفراد تستغرقهم متطلبات البقاء فيتعلمون من أجل الوظيفة والوجاهة والتنافس على الفرص، وليس من أجل المعرفة والاستنارة والأخلاق، وكذلك المجتمعات يستغرقها الاهتمام بالاقتصاد إنتاجاً وتسويقاً وتدافعاً، لذلك يحق لنا بأن نصف الحضارة المعاصرة بأنها حضارة الاقتصاد وبأنها تعاني من خلل بنيوي فاحش، فالإنجازات العلمية يتم تسخيرها للجوانب الاقتصادية أكثر من أي جانب آخر. ربما أن الطب هو الجانب الوحيد الذي يهتم بالإنسان ومع ذلك فإن المرضى في أغنى البلدان ربما يموتون عند أبواب المشافي لأنهم لا يملكون نفقات العلاج، فالتركيز على الاقتصاد، جعل كل شيء مرهوناً بتوفر المال.

هل العلّة في الإنسان أم البيئة؟



الإنسان يركز بشكل تلقائي على متطلبات البقاء، لكنه بحاجة شديدة إلى من يكرر تذكيره بأن الإنسان ليس فقط كائناً بيولوجِيّاً وإنما هو أولاً كائن أخلاقي ثم هو كائن معرفيٌّ، يجب أن تقوم حياته على منظومة من المُثُل العليا تليق بالإنسان، وأن تتربى الأجيال على السعي الحثيث للالتزام بقيم الحق والخير والجمال لكي تقل الشحناء ويتقلص الصراع.

أي المفارقات تقلقك؟



من أشد المفارقات في الحياة البشرية الافتراق الصارخ بين امتلاك قدرات هائلة ومرعبة، مقابل نسيان الحكمة، فالعالم في سباق محموم لبناء القوة، إلا أنه في غفلة مُطبِقة عن تكوين وتحصيل الحكمة، ففي الصراعات تغيب الحكمة. ثم إن أية دولة ليست في مأمن من حماقات ورعونة وطيش وعدوانية الدول الأخرى، فالجو العالمي كله موبوء بالحماقات وبالعدوانية وبعقلية التغالب، فإن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب.

بماذا يمكننا أن نوفّق بين الجمعي والفردي؟



المعضلة الأشد استعصاء أن القوة جمعية وتراكمية وبلا حدود، أما الحكمة فلا تكون إلا فردية وبشكل نادر، ومن هنا تشتد المفارقة.. تخيَّل قدرات أمريكا واستمع إلى (بايدن) حين يتحدث عن أعقد القضايا وسوف تحس بالمفارقة الهائلة.

عمّ تبحث الحضارة الغربية؟



الحضارة الغربية منذ البدايات الأولى وهي مندفعة في سباق محموم لبناء القوة وليس لطلب الحكمة، فانطلاقتها الأولى كانت بمغامرة كولومبوس، وكان الدافع لهذه المغامرة البحث عن الاستقواء في صراعات الأمم، فالصراع يستنفر ذكاء الإنسان، ويستبعد حكمته. الصراع يستنفر أسوأ طاقات الإنسان، الصراعات والتنافسات تجعل الإنسان أقوى، لكنها تجعله أقل حكمة وأشد حماقة.

بماذا يمكن معالجة هذه الإشكاليات؟



القدرات تأتي ثمرة للتكامل بين إبداعات القلة وإنتاج الكثرة، وتحويل ومضات العقل الخارق إلى سلاح فتاك بالتكامل المنظم بين الطاقة الإبداعية للقلة، والطاقات.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة عكاظ

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة عكاظ

منذ 4 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 6 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 4 ساعات
قناة الإخبارية السعودية منذ 15 ساعة
صحيفة عكاظ منذ 13 ساعة
صحيفة سبق منذ 7 ساعات
صحيفة الشرق الأوسط منذ 11 ساعة
صحيفة الشرق الأوسط منذ 7 ساعات
قناة الإخبارية السعودية منذ 14 ساعة
قناة الإخبارية السعودية منذ 8 ساعات
قناة الإخبارية السعودية منذ 13 ساعة