من أين جاء الأميركي إدغار آلن بو بالهوى الفرنسي الملهم؟

في نهاية الأمر لم يكن الكاتب والشاعر الفرنسي شارل بودلير بعيداً من المنطق حين جعل من نفسه أول من يترجم قصصاً ونصوصاً لزميله الأميركي إدغار آلن بو إلى الفرنسية التي كانت بفضل مساعيه أول لغة أجنبية عرفت بشعر وقصص بو في العالم، إذ يقال دائماً أن قراء لغة موليير عرفوا أدب صاحب "جريمة مزدوجة في شارع مورغ" حتى من قبل أن تنتشر حقاً بين الأميركيين أنفسهم. فالحقيقة أن بودلير إنما كان يرد "تحية" زميله الأميركي تحيتين وأكثر. وهذا ناهيك بأن إقدامه على رد التحية من طريق ترجمة بعض نصوص آلن بو إنما كان نوعاً من "استعادة بعض ما أُخذ منا" أي ما أخذه من فرنسا ذلك الكاتب الأميركي الذي نعرف جميعاً أنه كان وعلى أية حال، واحداً من أول الكتاب والشعراء الأميركيين الذين انفتحوا على العالم خارج نطاق الفضاء الإنجليزي اللغة والهوى. لا سيما من خلال روايته التي ذكرناها أعلاه والتي تدور أحداثها في باريس وشخصياتها الرئيسة فرنسية كما أن المحقق البوليسي الذي يقوم فيها بالتحقيق حول جريمة مزدوجة اقترفت في "شارع مورغ" (أي شارع المشرحة) هو محقق فرنسي.

مفتتح الرواية البوليسية

ولئن كان قراء الأدب البوليسي يعرفون أن تلك الرواية "الفرنسية" كانت واحدة من أولى روايات هذا الصنف الأدبي، فإن ما لا يعرفه كثر هو أن آلن بو لم يكن قد تعرف على باريس مكان أحداث روايته قبلها، ولا أن للكاتب نفسه رواية ثانية في ذلك المجال، أقل شهرة بكثير من تلك الأولى وتكاد تكون "ملحقاً" لها، وكذلك كتبها المؤلف قبل أن يتعرف على باريس حقاً وهي تعتبر رواية متوسطة حتى وإن كانت تنشر عادة ضمن مجموعته "حكايات استثنائية" التي ترجمها بودلير كذلك باكراً إلى لغته. ونتحدث هنا عن القصة المعنونة "سر ماري روجيت". ولعل أول ما يمكن قوله حول هذه القصة إن بطلها الأساس هو ذلك المحقق نفسه الذي كان القراء قد تعرفوا عليه في "جريمة مزدوجة في شارع مورغ" أي الفارس أوغست دوبين الذي نعرف أن من اختصاصه حل غوامض الجرائم البوليسية من طريق التأمل الاستنباطي وحده. ولئن كان المؤلف قد جعل من باريس مرة أخرى ميدان عمل دوبين ومكان حدوث الجريمة الجديدة التي يحقق فيها الآن بعدما صار معروفاً في أوساط الشرطة بقدر ما هو معروف في الأوساط الأدبية بفضل حله "الجريمة المزدوجة"، فإنها تبدو من جديد باريس غريبة عن باريس الحقيقية وبخاصة أن الكاتب قد أخرج الأحداث هذه المرة من الشقة المغلقة التي اقترفت فيها الجريمة المزدوجة.

مخيلة على اتساع مدينة

والحقيقة أن هذه الـ"باريس" التي يأخذ آلن بو قراءه إليها من جديد تنم عن أنه لم يكن يعرف باريس الحقيقية إطلاقاً. لكنها تنم في الوقت نفسه عن سعة مخيلته وتمسكه بعاصمة النور وتمكنه من إعادة اختراعها وتحديداً في نص وصفه كثر بكونه من النوع البوليسي الصرف. فلا الزمن محدد ولا الأماكن صحيحة وما من أحداث أو علاقات اجتماعية أو سياسية في مدينة كانت تضج بالأحداث في زمن الأحداث الروائية المفترض عند أواسط النصف الأول من القرن الـ19. كل ما يحدث هو "الجريمة" التي ينصرف دوبين إلى التحقيق فيها بأسلوبه المعروف نفسه وصولاً إلى ذلك الاستنباط الذي يكشف عن سر ما حدث لماري روجيت. وماري روجيت كما يقدمها لنا آلن بو تتعرض لعملية خطف يخبرنا بودلير بأنها تتطابق مع ما حدث بالفعل لصبية نيويوركية حقيقية في تلك الحقبة بالذات تدعى ماري سيسيليا رودجرز، في تحريف بسيط للاسم الحقيقي كي يصبح اسماً فرنسياً بالتوازي مع نقل الأحداث من بعض ضواحي نيويورك إلى باريس وبعض المناطق المجاورة لها. ويمكننا أن نؤكد هنا أن ثمة "سراً" يسبق سر خطف ماري وقتلها في القصة يتعلق تحديداً بسبب تلك الفرنسة وذلك الانتقال الذي لن نفهمه أبداً كما لم يفهمه.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 6 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 7 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 37 دقيقة
منذ 6 ساعات
قناة العربية منذ 10 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 17 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 8 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 10 ساعات
قناة العربية منذ 8 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 8 ساعات
قناة العربية منذ 22 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 10 ساعات