في الفلسفة: تأمل في النقطة اللانهائية

في 1 ديسمبر 1930 استقل الأديب الفرنسي أنطوان دو سانت اكزوبيري طيارته. كانت صبيحة جميلة، وغطى سراب المجهول على أنفاسه. حلق عالياً ثم اختفى كشعاع من الضوء، ابتلعه ظلام المجهول. لم يعرف لحد الآن مصير صاحب «أرض البشر». هل اجتاز حاجز الزمن وانتقل إلى عالم آخر؟ أم أنه ذهب يحلق بأجنحة الحرية، مستكشفاً سر الوجود. ففي ظل هذا الكون المليء بالألغاز والغموض تتحول الحياة إلى متاهة كبيرة. وكما قال في روايته تلك: «القوة الحقيقية للإنسان تنبع من داخله، من إرادته وتصميمه على التحليق عالياً».

لطالما تم النظر إلى الوجود، خصوصاً في الفلسفة الأنوارية العقلانية، على أنه مجال معطى قابل للحساب. فالغموض والالتباس هما أمران عارضان سيتمكن العقل من استجلائهما. والحال أنه بداية من الفلسفة المعاصرة سيبدأ هذا الاعتقاد في التزحزح. لقد أصبح الغموض والتعقيد بنية أساسية مكونة للوجود. فالحياة تشبه متاهة لا نهائية مليئة بالعراقيل والتحديات، على عكس النسق الهيجيلي الخاضع للترتيب المنطقي الصارم، يبدو عالمنا مليئاً بالتناقضات غير القابلة للحل، والاختلافات الصعبة المعالجة. «الهوية اللانهائية» كما سماها جيل دولوز والتعدد الذي يستحيل اختزاله داخل وحدة متطابقة. في المتاهة لا توجد قواعد أو ترتيبات محددة، بل فقط تدفق لا نهائي للتعدد والاختلاف. هيراقليطية من دون هدف محدد تسعى إليه، باستثناء التحرر والنمو الذاتي.

في كتابهما «ألف هضبة»، يؤكد جيل دولوز وفليب غواتاري، أن الواقع ليس كياناً مستقراً وثابتاً، بل هو عبارة عن شبكة من الأسطح المتعددة، المتداخلة والمترابطة مع بعضها بعضاً. لذلك يستخدم الكاتبان فكرة الريزوم أو الجذمور، والمقصود به أن الأفكار والمفاهيم تمتد على شكل جذور متفرعة وعرضية، تماماً كما تفعل النباتات، عندما تمد جذورها بشكل متشابك ومعقد داخل التربة، منتجة تبرعمات وتفرعات لا نهائية. وإذا كان الحال كذلك فهذا معناه أن قراءتنا للواقع، لا يمكن أن تكون خطية ومباشرة. لابد من تطوير طرق جديدة وغير تقليدية، من أجل فهم الوجود والتفاعل معه.

هل الوعي مرض؟ يقول الفيلسوف الإسباني أونامونو: «إن الإنسان لكونه إنساناً، لكونه يمتلك الوعي، هو قياساً بالحمار أو السرطان حيوان مريض، والوعي مرض». إن ما يود أن يكشف عنه أونامونو في هذا القول، هو الطابع المزدوج للوعي البشري. إنه من ناحية يجلب الألم والمعاناة للإنسان، عكس باقي الكائنات التي تظل سعيدة في لا وعيها، وفي اندماجها التام مع الطبيعة. لكنه من ناحية أخرى يمكننا من فهم الوجود، وفهم مأساتنا في هذه الحياة، بل وتحقيق العديد من الإنجازات بفضله. قد يظهر كما لو أن أونامونو يقوم بتجريح غير مبرر للوعي، عندما يعتبره مرضاً. سيتفق الجميع على أن الوعي ليس دائماً مصدراً للتعاسة والألم، لأنه بفضله انتقلنا من الكهوف إلى التفكير في تعمير النجوم. ولكن في الحقيقة فإن نقطة القوة في فكرته، هي إشاراته إلى الطابع المفارق للوعي، والذي يحول دون أن يتم اختزاله فقط في مجرد الإدراك الذهني، أو الصيغ العقلانية الحسابية، التي يمكن أن يقدمها العلم على سبيل المثال.

يرتد الوعي في بعض لحظاته كي يكون عبارة عن تجربة باطنية، غير أنه في حقيقته لا بد أن يكون عبارة عن إحاطة شاملة واستطلاع واسع للسراديب المكونة لهذه المتاهة. فالوعي في علوه لا يعني أنه انفلات خارج العالم، أو رفضا للمعطى. بل هو رحلة شاقة أحياناً، ومشوقة في أحايين أخرى. شاقة لأنها تمتزج بالخوف.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الاتحاد الإماراتية

منذ 5 ساعات
منذ ساعتين
منذ 4 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 6 ساعات
موقع 24 الإخباري منذ 5 ساعات
وكالة أنباء الإمارات منذ ساعتين
موقع 24 الإخباري منذ 3 ساعات
صحيفة الخليج الإماراتية منذ 12 ساعة
صحيفة الخليج الإماراتية منذ 11 ساعة
صحيفة الخليج الإماراتية منذ 16 ساعة
صحيفة الخليج الإماراتية منذ 14 ساعة
صحيفة الخليج الإماراتية منذ ساعة