ثلاثون عاماً مرّت على المصافحة التاريخية بين ملك الأردن السابق الحسين بن طلال ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، في صورة جمعتهم عند المنطقة الفاصلة بين البلدين في وادي عربة جنوبي الأردن.
لم تكن مجرّد صورة جمعت ساسة كبار، بل "احتفالية" تاريخيّة رسمت مستقبل المنطقة لثلاثين عاماً أو أكثر، وقّع خلالها الأردن وإسرائيل اتفاقية سلام برعاية أمريكية، اشتملت على 14 بنداً تناولت قضايا محورية مثل الحدود والأمن والمياه، فضلاً عن علاقات الجوار وملف اللاجئين والقدس.
بدأت المحادثات بين الأردن وإسرائيل عام 1994، عندما أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين ووزير الخارجية شمعون بيريز الملك حسين بن طلال بأن الأردن قد يُستبعد من عملية السلام بعد اتفاقيات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وتحت ضغط الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، بدأ الأردن خطوات جدية نحو توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل. كانت هذه الجهود علامة فارقة في تاريخ المنطقة، حيث سعت الولايات المتحدة إلى دعم عملية السلام وتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط.
وفي 25 يوليو/تموز 1994، جرى توقيع إعلان واشنطن في العاصمة الأمريكية، حيث وضع كل من رابين وحسين وكلينتون توقيعاتهم على وثيقة تاريخية. مثّلت هذه المعاهدة نقطة تحول في العلاقات بين الدولتين، وجعلت الأردن ثاني دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل بعد مصر.
في يوليو/تموز 1994، أعلن رئيس الوزراء الأردني عبد السلام المجالي عن "نهاية عصر الحروب"، ليعبر شمعون بيريز عن تفاؤله بقوله إن "الوقت قد حان من أجل السلام". وبدعوة من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، اجتمع إسحاق رابين والملك حسين رسميًا في البيت الأبيض، مما أرسى الأسس لتوقيع معاهدة السلام.
وفي 26 أكتوبر/تشرين أول 1994، جرى التوقيع على المعاهدة خلال حفل أقيم في وادي عربة، حيث وقع رابين والمجالي المعاهدة في حضور الملك حسين والرئيس الإسرائيلي عيزر وايزمان. شهد الحفل أيضًا وجود كلينتون ووزير الخارجية وارن كريستوفر، واختُتم بإطلاق آلاف البالونات في السماء.
يؤكد عضو مجلس الأعيان الأردني، محمد داوودية، وهو من النواب الذين وقعوا على اتفاقية السلام مع إسرائيل، أن الملك الحسين تعرض لضغوط هائلة ليكون من أوائل الموقعين على هذه الاتفاقية، وهو ما رفضه العاهل الأردني بشدة في ذلك الوقت، بحسب داوودية.
ويشير في حديثه مع بي بي سي، إلى أنه "بعد توقيع مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق سلام مع إسرائيل، أصبح الأردن أمام خيارين: السلام أو الحرب، فاختار السلام".
ويفسر داوودية هذا الخيار بالقول: "إن الأردن لا يمكنه شن حرب لتحرير فلسطين، والبنية الأساسية للأردن تقوم على أساس الدفاع وليس الهجوم، وهو ما يجعله يميل نحو السلام، لأننا محصنين للدفاع عن أرضنا".
يقول المحاضر في مركز الدبلوماسية العامة في إسرائيل غولان برهوم إن إسرائيل كانت تنظر إلى الاتفاق على أنه "إنجاز" على الصعيد الإقليمي؛ "لأنه جعل العلاقات بين البلدين مكشوفة".
ويشير برهوم إلى أن إسرائيل شهدت في تلك الفترة نزاعات داخلية حول اتفاقيات أوسلو، إذ لم تكن تعتبر بلاده، ياسر عرفات شريكاً حقيقاً في عملية السلام، بحسب قوله، "لكن الأمور كانت مختلفة تماماً بالنسبة للأردن، فالجميع في إسرائيل أجمع على أن اتفاق السلام مع الأردن سيحقق المصالح المشتركة للبلدين".
ويضيف برهوم: "الإسرائيليون أحبوا الملك الحسين في تلك الفترة لأنه بادلهم الاحترام رغم العداء".
محطات ملتهبة مرت معاهدة السلام، التي عرفت بـ "اتفاقية وادي عربة"، بمحطات حرجة هددت استقرار الاتفاق، حيث واجهت تحديات سياسية وأمنية أثرت على العلاقات بين البلدين على مر السنين. تتجلى هذه المحطات في تصاعد التوترات الإقليمية وتغيرات المشهد السياسي.
بدأت الاتفاقية بالتأرجح بين البلدين في رسالة أرسلها الحسين بن طلال إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 1997، عبّر فيها عن استيائه ممّا ترتكبه إسرائيل في المنطقة بعد مذبحة قانا في جنوب لبنان، وبناء مستوطنات في القدس الشرقية، وحفر الأنفاق أسفل المسجد الأقصى، وهو ما رآه الأردن نقضاً لبند الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
حادثة الباقورة
في 12 مارس/آذار 1997، قتل جندي أردني يدعى أحمد الدقامسة كان يقوم بدورية على الحدود المشتركة بين البلدين سبع طالبات إسرائيليات وجرح ست أخريات، لأسباب بقيت متضاربة حتى اليوم.
زار الملك حسين إسرائيل لتعزية عائلات القتيلات، مقدمًا لهم وعدًا بمحاسبة "القاتل"، الذي حوكم عسكرياً بالسجن لمدة عشرين عامًا، ليفرج عنه بعد انتهاء عقوبته في الثاني عشر من مارس/آذار 2017.
أزمة خالد مشعل
في 25 سبتمبر/أيلول 1997، تعرض خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لمحاولة اغتيال في العاصمة الأردنية عمان على يد عملاء من الموساد الإسرائيلي باستخدام جوازات سفر مزورة. وتمكن مرافقوه من القبض عليهم، مما أدى إلى أزمة دبلوماسية مع الأردن، حيث هددت السلطات بقطع العلاقات مع إسرائيل ما لم تحصل على الترياق لإنقاذ مشعل.
وافقت إسرائيل على الكشف عن اسم الترياق، لكن العلاقات بين الأردن وإسرائيل تدهورت، حيث أُفرج عن عملاء الموساد مقابل إطلاق سراح 23 أردنياً و50 معتقلاً وسجيناً فلسطينياً، بما فيهم الشيخ أحمد ياسين.
أراضي الغمر والباقورة
في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعلن الملك الأردني عبد الله الثاني انتهاء العمل بالمُلحقين الخاصين بمنطقتي الباقورة والغمر في معاهدة السلام، مؤكداً فرض السيادة الأردنية عليهما. جاء هذا القرار بعد 25 عامًا من الانتفاع الإسرائيلي بهذه المناطق التي استأجرتها إسرائيل بموجب اتفاقية السلام.
اتفاق "على الرف" بعد حرب غزة توترت العلاقات بين الأردن وإسرائيل على ضوء الحرب المشتعلة في غزة، إذ عبر الأردن عن استنكاره للهجوم الإسرائيلي على غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023 من خلال استدعاء سفيره من إسرائيل، وإبلاغ وزارة الخارجية الإسرائيلية بعدم إعادة سفيرها الذي كان غادر المملكة سابقاً، بحسب بيان لوزارة الخارجية الأردنية.
وعلى وقع الحرب، صرّح الأردن على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدي أن "اتفاقية وادي عربة في خضم ما ترتكبه إسرائيل من جرائم أصبحت ليست أكثر من وثيقة على رف يغطيها الغبار".
ويؤكد داوودية على موقف الأردن تجاه اتفاقية السلام، ويقول إن السلام بين البلدين وصل إلى "أقصى حالات البرود". وأوضح أن الأردن أوشك على "تمزيق معاهدة السلام" جراء الحرب الدائرة في قطاع غزة، على حد تعبيره.
وتزامناً مع حرب غزة، نفذ أردنيون عمليتين ضد إسرائيليين؛ الأولى عندما فتح سائق شاحنة أردني في سبتمبر/أيلول الماضي النار على عناصر من أمن معبر الكرامة الحدودي بين الأردن وإسرائيل، إسرائيلي الجنسية، وهو ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، قبل أن يُقتل منفذ العملية.
أما الثانية، فجاءت بعد نحو عشرة أيام من ذكرى أحداث السابع من أكتوبر/تشرين أول، إذ اشتبك شابّان أردنيان في السابعة والعشرين من عمرهما مع قوّة من قوات الاحتياط الإسرائيلية بعد اجتيازهما الحدود الأردنية الفلسطينية بالقرب من قرية "نئوت هكيكار" ملحقة بالبحر الميت، لينتهي الأمر بجرح جنديين إسرائيليين ومقتل الشابين.
كيف ينظر الجانبان إلى الاتفاق بعد ثلاثين عاماً؟ يقول وزير الإعلام الأردني، الدكتور محمد المومني، لبي بي سي إن الأردن يتعامل مع معاهدة السلام كإحدى الأدوات الممكنة لدعم ومساعدة الشعب الفلسطيني.
ويؤكد المومني التزام الأردن بالمعاهدة، مشددًا على أنها تمثل سلامًا قانونيًا وسياسيًا يساعد الدولة على حماية مصالحها ويعزز من موقفها في مساندة الشعب الفلسطيني و"رفع الظلم التاريخي عنه".
من جانبه، يرى داوودية أن إسرائيل لم تلتزم ببنود المعاهدة باعتبارها "دولة حرب"، مشيراً إلى أن مشروعها "التوسعي الاستيطاني" يصطدم بالمشروع الإيراني في المنطقة، وهو تحقيق النفوذ في المنطقة العربية، بعيداً عن "دعم القضية الفلسطينية" التي يرى فيها مجرد "عناوين زائفة"، على حد قوله.
ويقول إن الاتفاقية التي "باتت على الرف" اليوم، تخدم مصالح الأردن في مجالات محددة مرتبطة بالدعم الفلسطيني، من خلال استمرار الوصاية على المسجد الأقصى، وتمكين الأردن من إرسال 1500 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة أسبوعيًا، وكسر الحصار عليه من خلال تنفيذ إنزالات جوية لمساعدات على القطاع، إذ كان الأردن "أول دولة عربية" يخطو في هذا الاتجاه، رغم التهديد الإسرائيلي، بالإضافة إلى المستشفيات الميدانية.
ويضيف: الاتفاقية تدعم جهود الأردن في تقديم الخدمات لأبناء الشعب الفلسطيني من خلال تسهيل الحج والعمرة، وتقديم الخدمات العلاجية في المؤسسات الطبية الأردنية، وغيرها من المنافع "غير المحدودة" على الصعيد الأردني الفلسطيني، وهو الجانب الذي تقتصر عليه منافع اتفاقية السلام مع إسرائيل، على حد قوله.
يقول المحلل السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن لبي بي سي، إنه من الصعب الحديث عن "سلام حار" بين البلدين في الوقت الراهن، نظراً للتوترات المتبادلة على.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بي بي سي عربي