ارتفاعات تتواصل في أسعار الذهب بمصر عززتها توترات الشرق الأوسط وضبابية الانتخابات الأميركية المرتقبة الثلاثاء، وسط تساؤلات بشأن احتمال أن تغيّر هذه القفزات مسار المصريين عن شراء المعدن النفيس كملاذ آمن أمام التقلبات الاقتصادية واللجوء لبدائل أخرى.
وتذهب تقديرات خبراء تحدثوا لـ«إرم بزنس»، إلى مسارين، أولهما أن قفزات أسعار الذهب ومخاوف الهبوط تعزز اللجوء لبدائل الشهادات البنكية والعقارات باعتبارهما أكثر أماناً حالياً، خشية حدوث موجة هبوط وعدم وجود منطقة جني أرباح لمن اشترى بأسعار مرتفعة في المدى القريب خاصة مع توترات الشرق الأوسط.
والمسار الثاني هو استمرار الاستثمار في الذهب لكن بتراجعات طفيفة، تخوفاً أيضاً من الإقبال على الشراء بأسعار مرتفعة دون استطاعة جني أرباح مع أي هبوط محتمل، ويضع أنصار ذلك المسار شرطين، الأول الاستثمار في فائض الأموال، والثاني الانتظار لجني الأرباح في مدى لا يقل عن عامين.
وعالمياً، ارتفع سعر الذهب، الإثنين، في المعاملات الفورية 0.1% إلى 2738.29 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 0012 بتوقيت غرينتش، واستقرت العقود الأميركية الآجلة للذهب عند 2747.50 دولار. وكان سجل أعلى مستوى له على الإطلاق يوم الخميس عند 2790.15 دولار.
وقبل ساعات من انتخابات الرئاسة الأميركية، الثلاثاء، تكشف استطلاعات الرأي عن منافسة محتدمة بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، «ما قد يؤثر بشكل كبير في أسعار الذهب»، وفق ما ذكرته «رويترز» الإثنين.
وارتفع سعر الذهب في مصر اليوم الإثنين مسجلاً 3780 جنيهاً (77 دولاراً) صعوداً بـ10 جنيهات، ليواصل موجة الارتفاع التي شهدها خلال الأسبوع الماضي بمقدار 30 جنيها (0.61 دولار)، إذ أغلق عند المستوى 3775 جنيهاً للغرام (76.94 دولار)، بعد أن افتتح تداولات الأسبوع عند المستوى 3745 جنيهاً (76.33) للغرام، وسجل أعلى مستوى خلال الأسبوع عند 3800 جنيه (77.45) للغرام.
والذهب الذي سجلت أسعاره خلال هذا العام سعر 4200 جنيه (85.60 دولار) للغرام، ستشهد حركته خلال الأسبوع الجاري تذبذباً، بسبب تأثره بتغيرات السعر العالمي بسبب الانتخابات الأميركية واجتماع البنك الفيدرالي الأميركي، وفق تقديرات مؤسسة جولد بيليون المعنية بشؤون الذهب في بيان السبت.
وفي 30 أكتوبر الماضي، كشف تقرير صادر عن المجلس العالمي للذهب (منظمة مقرها بريطانيا) عن تراجع إقبال المصريين على شراء المعدن الأصفر في الربع الثالث من العام الحالي (يوليو/سبتمبر)، مسجلا 10.4 طن، بتراجع بمقدار 28% مقارنة بالربع الثاني من نفس العام (أبريل/يونيو) التي بلغت 14.36 طن.
كما سجّل الطلب على الذهب في مصر خلال الربع الثالث من عام 2024، تراجعاً إلى 12.6 طن بمقدار 17%، مقارنة بنفس الفترة خلال العام الماضي 2023، وتراجع الطلب على العملات المعدنية والسبائك بمقدار الثلث إلى 5.3 طن خلال الربع الثالث من عام 2024، مقابل 7.57 طن خلال الربع الثاني من العام نفسه.
بينما تراجع الطلب على المشغولات الذهبية بمقدار الربع ليبلغ 5.09 طن خلال الربع الثالث من عام 2024، مقابل 6.78 طن خلال الربع الثاني من العام نفسه.
ويرجع التقرير الانخفاض على الطلب في مصر إلى الاضطرابات الإقليمية التي يعيشها الشرق الأوسط منذ نحو عام، وانخفاض حيازة المصريين للذهب للظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد، التي شهدت أزمة سابقة في ارتفاع الدولار مقابل الجنيه، والتي تسببت في ضآلة فائض الدخل الذي يمكّن المستهلكين من توجيهه للاستثمار في المعدن الثمين.
مخاوف مشروعة
الخبير الاقتصادي والمدير التنفيذي في شركة VI Markets أحمد معطي، يرى، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن «قفزات أسعار الذهب الحالية طبيعية ومرتبطة بالتوترات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط لا سيما منذ 7 أكتوبر 2023، واستمرارها وتوسعها من غزة للبنان وإيران التي لا تزال تلوح برد على إسرائيلي، مشيراً إلى أن «الذهب الذي يعرف بأنه ملاذ آمن وقت الأزمات سيتأثر بتلك التوترات ما دامت مستمرة ولا يعرف موعد انتهائها».
وجاءت ارتفاعات الذهب بسبب مشتريات الأفراد، وأيضاً صناديق الاستثمار، والبعض يراها بسبب شراء البنوك المركزية، وفق معطي، مستدركاً بالقول: «لكن الحقيقة أن البنوك المركزية تشتري بالفعل لكن أقل من العام الماضي، وهذه نقطة غاية في الأهمية باعتبارها مقلقة أن تكون نسبة شراء الأفراد وصناديق الاستثمار أكبر من البنوك المركزية التي ترى أن الأسعار الحالية مبالغ فيها وتنتظر استقراراً بالمنطقة.
وفي ظل اعتقاد محللين أن شراء البنوك المركزية سيظل محركاً رئيسياً للذهب، كشفت بيانات صينية رسمية أوائل سبتمبر الماضي أن البنك المركزي الصيني لم يضف أي كمية من الذهب إلى احتياطياته للشهر الرابع على التوالي في أغسطس، مع وصول أسعار المعدن النفيس إلى مستويات قياسية، لافتة إلى حجم الذهب، الذي يحتفظ به بنك الشعب الصيني، 72.8 مليون أونصة في نهاية الشهر الماضي، دون تغيير، وسط أسعار عالمية، حقق سعر الأونصة فيها بين 2200 دولار و2500 دولار وتقديرات تسجل 3000 دولار بنهاية 2024.
ومسترجعاً وقائع مشابهة تاريخية، يضيف الخبير الاقتصادي أحمد معطي قائلاً: «نفس هذا السيناريو تمت رؤيته عام 1979، عبر ارتفاعات قياسية للذهب، دون تصحيحات أو مناطق جني أرباح، واستمرت الارتفاعات وصعد من 250 إلى 300 دولار للأونصة، وارتفع إلى 860 دولاراً دون أي تصحيح بسبب تواترات أيضاً، وحدث هبوط عنيف ورجع الذهب إلى مستوى 300 دولار وتحرك بين 400 و450 دولارا لعدة سنوات، وهذا نتج عنه خسائر لكثير من مشتري الذهب».
العقارات والفائدة البنكية
وأكد معطي أن «ما نراه الآن بشأن الذهب لا أحد يعلم متى تنتهي موجة الارتفاعات وإلى أي مدى ستصل، خاصة أن تقارير دولية تتحدث عن وصول الذهب إلى 3000 و3200 دولار للأونصة في عام 2025، وهذه يزيد من حجم المخاطر لمن يريد شراء الذهب حالياً».
وينصح المدير التنفيذي في شركة (VI Markets) أحمد معطي، بـ«البحث عن بديل آخر كالعقارات والشهادات البنكية باعتبارها مساراً أكثر أمناً، بدلا من اقتناء الذهب هذه الفترة، خاصة أن هناك بيانات من مجلس الذهب العالمي تشير لتراجع في شراء الذهب تحديداً في مصر بالربع الأخير من هذا العام من شهر يونيو إلى سبتمبر، في ظل الأسعار المبالغ فيها وهذا يعبر عن عزوف ومخاوف حقيقية لدى المشتريين في هذه الفترة الضبابية».
ويدلل على تلك الضبابية، قائلاً: «بعد أن سجل الذهب عالمياً اليومين الماضيين ارتفاعات قياسية وسجل في مصر 3770 جنيهاً للغرام 21 هبط إلى 3735 جنيهاً، وهذا هبوط لا تفسير له رغم أن المتوقع في ظل التوترات أن يصعد»، مضيفاً :«الانتخابات الأميركية المرتقبة الثلاثاء ستكون عاملاً إضافياً في تحديد صعود الذهب وهبوطه».
وبرأي الخبير الاقتصادي فإن «دونالد ترامب حال فوزه بعد أيام قد ينفذ وعده بوقف الحرب بالمنطقة، وهذا يمكن أن يضغط على أسعار الذهب لأسفل، وهنا تحدث مشكلة كبيرة لمن اشترى بأسعار أعلى»، داعياً لتوخي الحذر وانتظار نتائج الانتخابات الأميركية وتصحيح واضح للقفزات المتوقعة للذهب، ومع أي استقرار قريب تعود عمليات الشراء باعتبار الذهب ملاذاً آمناً.
الشراء بالفائض فقط
لا يختلف تقدير مستشار شعبة الذهب باتحاد الصناعات المصري، وصفي واصف، في تصريحات لـ«إرم بزنس»، عن معطي في أهمية الحذر الفترة المقبلة، مشدداً على أهمية أن يتم الاستثمار بالفائض لدى المواطن أو المستثمر في الذهب الفترة المقبلة، وإلا يجب البحث عن وعاء ادخاري آخر.
وبرأي واصف فإن «الأسعار المحلية تقتدي بنظيرتها العالمية لحظة بلحظة، وكل الأمور واردة سواء بالهبوط المؤقت أو الارتفاعات المتوالية، وهذا لن يستطيع حسمه أحد لأنه مرتبط بمتغيرات عديدة».
ورغم تمسكه بأن الذهب ملاذ آمن للاستثمار، يرى أن الاستثمار بالفائض في الذهب هو السبيل للنجاة حالياً من أي تقلبات وتذبابات بالسوق ارتفاعاً أو انخفاضاً، خاصة أن هذا الخيار سيمكن صاحبه من اختيار توقيت جني الأرباح دون اضطرار إلى بيع يجلب خسائر، مشدداً على أن من لا يملك فائضاً فعليه البحث عن وعاء ادخاري آخر.
بالمقابل، يرى رئيس شعبة الذهب في اتحاد الغرف التجارية المصرية، هاني ميلاد، في تقديراته لـ«إرم بزنس»، أن حالة التذبذب وعدم الاستقرار في أسعار المعدن النفيس بين صعود وانخفاض قد تستمر لفترة، لحين عودة الهدوء إلى منطقة الشرق الأوسط، لافتاً إلى أنه سجل قبل فترة نحو 4200 جنيه (85.60 دولار) للغرام بالسوق المحلي والآن يصل لأقل من 3770 جنيهاً (76.84 دولار).
ولا يمكن لأحد أن يضع سقفاً لارتفاع الذهب في ضوء المتغيرات بالمنطقة، وفق ميلاد، الذي رجّح «مواصلة الذهب تسجيل ارتفاعات قياسية أو انخفاضات»، غير أنه يؤمن بأهمية الذهب كمسار ادخار طويل المدى ومخزن للقيمة مهم ولا يفرق معه تذبذب الأسعار بين صعود وهبوط، خاصة أنه قد يجلب أرباحاً على مدار عام أو عامين.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس