ما بين صيام متقطع، وصيامات أخرى عن السكريات أو الدهون أو غيرهما، يبدو البشر خلال العقدين الأخيرين محاصرين بمصطلحات تطالبهم بالتخلص من السموم بمعانيها الواسعة، سواء تلك المتعلقة بالطعام والشراب، أو الأخرى المتعلقة بالعلاقات والسلوكيات.
وأخيراً انتشر مصطلح صيام الدوبامين، وهو ناقل من ضمن النواقل العصبية التي تسهم في الشعور بالمتعة والدعم والمكافأة، بالتالي أصبح له مصطلح شعبي على رغم عدم دقته العلمية وهو هرمون السعادة، وبات وثيق الصلة بدعوات إلى مقاطعة "السوشيال ميديا" لبعض الوقت للتخلص من سمومها، وطريقتها في التحفيز المبالغ فيه التي تسبب في ما بعد خواء وشعوراً بالوحدة وعدم الرضا، والهدف هو إعادة السيطرة على زمام الأمور والاستمتاع بتفاصيل الحياة البسيطة ببطء بعيداً من الكاميرات والإشعارات والتعليقات والشاشات ساطعة الإضاءة.
قد يصاب بعض منا بالاحتراق النفسي جراء هذا التحفيز التكنولوجي أكثر من غيره، ولا شك في أن كثيرين قد لا ينتبهون إلى أن المتابعة المستمرة والخوف من عدم اللحاق بالركب قد تحدثان خللاً حقيقياً في طريقة تعاملهم مع الواقع، بل وتجعل سعادتهم رهينة لهذه المنصات، وتفقدهم تدريجاً الإحساس بقيمة ما يمتلكونه وبقيمة الأشياء التي كانت تسبب لهم سعادة غامرة قبل الغرق في هذه الأجواء المستفزة للأعصاب والبدن، لكن ما منطقية تلك الدعوات، وهل الصيام عن الدوبامين التكنولوجي يعمل بآلية الصيام نفسها عن الإدمان الحقيقي أو الطعام الشهي مثلاً، وهل هذه الطريقة التي تنشر شهادات من عايشوها عربياً وعالمياً مجدية ويمكن أن تكون خطوة للخلاص من اكتئاب التكنولوجيا بالفعل أم أن هناك وسائل أخرى أكثر عملية.
الصوم عن المتعة أم لأجلها؟
في عام 2018 صاغ كاميرون سيباه طبيب الأمراض النفسية في جامعة كاليفورنيا المصطلح بصورة علمية ومحددة، لكن وفقاً لمقالة نشرها الطبيب والباحث بيتر جرينسبون على الموقع الرسمي لكلية الطب بجامعة هارفارد، حرف معنى المصطلح بصورة كبيرة وأسيء استخدامه، مشيراً إلى أن سيباه كان يقصد من خلال "صيام الدوبامين" طريقة في العلاج المعرفي السلوكي تعتمد على إعطاء فترات راحة للدماغ من المحفزات والعادات غير الصحية التي تمنحنا شعوراً موقتاً بالسعادة.
الأمر هنا وفقاً لما جاء في تقرير هارفارد ينطبق على أشياء من بينها التكنولوجيا وألعاب الإنترنت والأكل والتسوق بإفراط وتناول الكحول والمخدرات، وأيضاً الرغبة في إيجاد شيء جديد طوال الوقت، وهو ما يجر الناس للمتابعة المرعبة لكل إشعارات حساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولهذا فإنه بإدارة هذا الصيام يمكن "إيجاد المتعة في القيام بأنشطة أبسط وأكثر طبيعية، لنستعيد السيطرة على حياتنا ونكون أكثر قدرة على معالجة السلوكيات القهرية التي قد تتداخل مع سعادتنا".
اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العبارة الأخيرة نصاً من مقالة هارفارد التي نشرت قبل نحو أربع سنوات، مع التشديد على أن الأمر لا يقصد به ملذات الحياة الصحية، وإنما فقط المضرة والخطرة، وعلى رغم ذلك فإن الدعوة إلى الامتناع عن مسببات السعادة المزيفة أو الموقتة بدأ الترويج لها في عام 2016، إذ أطلق شخص يدعى جريج كامفويس تحدياً ترفيهياً لمحاولة العيش بطريقة صحية لا سيما نفسياً، وكان الهدف منه التوقف لمدة 40 يوماً عن محفزات مثل الأكل غير الصحي والمواد الإباحية والمواد المخدرة والكحوليات، وكذلك تقليل معدلات التعرض لمواقع التواصل الاجتماعي.
تقنين لا مقاطعة
قد يكون التقليل هنا هو الحل الأقرب للواقع بالنسبة إلى الفئة العريضة من المتعاملين مع مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تشير استشاري الصحة النفسية دعاء حسين إلى أنه من الصعوبة الامتناع بصورة كاملة لمدة طويلة عن التواصل أو المتابعة بخاصة لمن أصبحت السوشيال ميديا وسيلتهم لكسب العيش، وبينهم أصحاب المشاريع الصغيرة الذين يتزايدون يوماً بعد آخر. وتابعت "أنا ضد الصيام الكامل عن السوشيال ميديا، لأنه قد يأتي بنتائج عكسية ويسبب ضيقاً، فالانقطاع عن التواصل في حياة أشخاص كل وسيلتهم في التعامل الإنساني مع غيرهم هي هذه المنصات، بالطبع سيكون له تأثير سلبي، ومع ذلك فمن الضروري أن نقنن استعمالها ونحدد لها عدد ساعات قليل في اليوم كي لا تطغى على الحياة الواقعية، بخاصة أنها منصات ضرورية للتعلم عن البعد والترويج للمشاريع وحتى للاستشارات الطبية، فهي لها جانب إيجابي لا يمكن إغفاله، لكن الانخراط فيها من دون حساب هو بالطبع إدمان ينبغي التصدي له".
هذا الإدمان تصفه أستاذة الإعلام الدكتورة حنان يوسف، عميد كلية الإعلام واللغة بالأكاديمية البحرية، بأنه ظاهرة واضحة للغاية، ومن أبرز مشاهدها هو السيطرة الشديدة لمنصات التواصل على حياتنا في مناحيها الاجتماعية والسياسية والإنسانية والاقتصادية، إذ تعتبرها أكبر مستهلك للوقت بسبب استخدامها.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية