في الآونة الأخيرة، أثارت مقترحات لمسؤولين إسرائيليين حول ضرورة ضمّ الضفة الغربية لإسرائيل جدلاً واسع النطاق، أعاد إشعال المناقشات حول مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ومنذ عقود، كانت الضفة الغربية، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب الأيام الستة عام 1967، نقطة محورية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث تعّد المنطقة موطنًا لملايين الفلسطينيين ويُنظر إليها على أنها عنصر أساسيّ في أي دولة فلسطينية مستقبلية.
وشكّل التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية قضية مثيرة للجدل، حيث تنظر دول وهيئات حول العالم إلى هذه المستوطنات على أنها غير قانونية بموجب القانون الدولي، في حين تعارض إسرائيل هذا التفسير.
ويزعم أنصار الضمّ في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أن ذلك من شأنه أن يضمن أمن إسرائيل من خلال تعزيز السيطرة على المناطق الحيوية إستراتيجيًا، فيما يرى الائتلاف اليميني المتطرّف هذه الخطوة على أنها تحقيق للمطالبات التاريخية والتوراتية بالأرض.
وأدانت دول عربية وغربية عدّة التصريحات التي أطلقها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، حول ضمّ الضفة الغربية، والتي أكدها نتانياهو تاليًا، معتبرة أنّ هذا المقترح يعمّق الأزمة ويقوّض جهود السلام بما فيها حل الدولتين ويشجّع على الحروب.
وعلى الرغم من أنّ الأحزاب اليمينية في إسرائيل تدافع عن الضمّ كوسيلة لتعزيز الهوية اليهودية لإسرائيل ومنع إنشاء دولة فلسطينية، إلا أنّ الأحزاب اليسارية لها رأي مخالف، ويرى أنّ فرض السيادة الإسرائيلية هناك من شأنه أن يعيق مفاوضات السلام ويزيد من حدة التوترات.
تصريحات عبثية جاءت التصريحات الإسرائيلية الأخيرة، لتؤكد نوايا الحكومة اليمينية للمنطقة، في ظل استمرار الحرب على غزة بعد هجوم "حماس" على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.
ومن هنا، قال أستاذ العلوم السياسية والإستراتيجية الدكتور طارق فهمي، إن هذا الموقف مرتبط بتصريحات عبثية، إلا أنّ مشروع الضمّ موجود في مبادئ ومكوّنات الائتلاف الحاكم وبالتالي الحديث هنا عن إجراءات سياسية وإستراتيجية.
ولفت في تصريح لمنصة "المشهد" إلى أنّ مشروع الضمّ يواكبه تحديات ومخاطر كبيرة لا يمكن التأكيد عليها بسهولة، كما أنّ الموقف العربي والموقف الدوليّ جاء في سياق تحذيريّ في هذا التوقيت.
وأوضح فهمي أن هذه التحذيرات تأتي لأن مشروع ضمّ الأغوار والضفة أمر مطروح منذ فترة طويلة لكن تواجهه صعوبات، وهو في العقلية الإسرائيلية وفرض التوسّع الإسرائيلي وهذا ما يفسّر حديث نتانياهو المباشر في هذا السياق وفي هذا التوقيت وضرورة إعادة تغيير بنية الشرق الأوسط، وهنا مكمن الخطورة.
وقال إن هذه الإجراءات التي تتحدّث عنها إسرائيل ترى أنه يمكن أن تقوم بها خصوصاً مع تولي إدارة أميركية جديدة مقاليد الحكم في الولايات المتحدة.
مواضيع ذات صلة "مزايدات انتخابية" أشار فهمي إلى أن هناك صعوبات في تنفيذ مشروع الضمّ، نظرا لأنه لا يوجد اتفاق جماعي في إسرائيل على هذا، كما أن الموضوع طُرح منذ فترة قديمة في بيان الائتلاف الحكومي ومكوناتها، كما أن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة فيها مزيدات كبيرة وتأتي في ظل حالة عدم الاستقرار في إسرائيل.
ولفت فهمي إلى أن حالة عدم الاستقرار هذه، تأتي بعد تعيين وزير دفاع جديد وهو يتسرائيل كاتس يغيّر بشكل ما مكونات الائتلاف مع تغيير وزير الخارجية جدعون ساعر، و"بالتالي كل هذه المتغيرات، يقوم سموتريتش بطرح نفسه كأحد الأطراف البديلة أو المطروحة في الحكومة ويمكن أن يواجه بها الكثير من الخيارات والسياسات التي يمكن التعامل معها بصورة أو بأخرى".
وأضاف فهمي "في كل الأحوال، فإن التصريحات الإسرائيلية غير مسؤولة وغير منضبطة، كما أن الأطراف العربية والدولية رفضتها شكلًا ومضمونًا، لكنها تأتي في إطار المزايدات الانتخابية لليمين الإسرائيلي المتطرف".
إلى ذلك، اعتبر رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، أنّ تصريحات سموتريتش هي جزء من برنامج حزبه السياسيّ هو ووزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير بشكل خاص.
وأوضح أن الوزيرين، يسيران في خطط واضحة ومقررة سابقًا لدى الحزب وتأخذ بعداً إيديولوجياً وتوراتياً في هذا الموضوع ويتوافقان مع نتانياهو في هذه الرؤية، خصوصًا مع رفض مسألة تقسيم القدس واعتبارها عاصمة موحّدة لإسرائيل.
وأضاف شنيكات في حديثه لمنصة "المشهد" أنّ الظروف الدولية الحالية مُساعدة لهذه الرؤية خصوصًا بعد معلومات الأولية عن تعيين شخصيات في السياسة الخارجية الأميركية جميعها تؤيد وبشكل علني وبما لا يقبل الجدل "حق إسرائيل ووجودها، وتدعم كل ما تمثله السياسة الإسرائيلية بدون أيّ تحفظ أو قيود".
وتابع "هذا ما يجعل هذه الرؤية قابلة للتطبيق لأنها تجد دعمًا أميركيًا منقطع نظير".
ولفت إلى أن وزير الخارجية الأميركي المقبل والسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، مواقفهما ترتبطان بعلاقات وثيقة مع إسرائيل وهناك اتفاق على وجه الخصوص مع اليمين الإسرائيلي المتطرف.
وقال إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لم تضع أوزارها ولا كذلك الوضع في لبنان، وإنه "إذا استمرت الحرب بهذا الاتجاه، نحن لا نعلم صراحة كم ستمتر، لكن بما أنها مشتعلة فهي حرب استنزاف بالنسبة لإسرائيل ومدمرة لغزة وحتى لجنوب لبنان".
مقاربة أميركية أكد شنيكات أنه مع استمرار هذه الحرب، فإن ترامب ربّما يتجه نحو إنهاء الحرب في ظل خسائر الجيش الإسرائيلي، مبينًا أنه من أجل تحقيق السلام والاستقرار، على الرئيس الأميركي المنتخب أن يأخذ مقاربة بعيدة عن مقاربة اليمين المتطرف لأنّ طريقة اليمين الاسرائيلي المتطرف في إدارة الصراع هي طريقة "إحلالية وتهجير".
وقال إنّ من مصلحة ترامب الابتعاد عن أجندة اليمين الإسرائيلي ورفض ما من شأنه الذهاب نحو الصدام والتهجير وغير ذلك إذا كان يرغب في إنهاء الحروب في العالم.
واعتبر شنيكات أنّ تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية، انقسمت إلى اتجاهين، الأول أنّ إسرائيل دولة صغيرة من حقها أن تتوسع، والاتجاه الثاني يقول إنه يريد إنهاء الحرب ويصنع السلام. كلا الاتجاهين عبّر عنهما وبطرق مختلفة وكلاهما متناقض مع الآخر وبالتالي فإن ترامب من المحتمل أكثر الاتجاه نحو اليمين الإسرائيلي بحكم فريقه الوزاري الداعم لإسرائيل دون قيود أو حدود على سياسة إسرائيل".
(المشهد)
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد