تواجه الحكومة الفرنسية انتقادات متزايدة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية في البلاد، إذ تصاعدت حالات التسريح وإعادة الهيكلة، الأمر الذي أثار اضطرابات اجتماعية واسعة.
سلط تقرير لصحيفة «لوموند» الضوء على المخاوف الاقتصادية التي أجّجت حالة الاستياء في مختلف القطاعات، وزادت من الضغوط على حكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه، حيث تنمو الاحتجاجات بين العمال المهددين بفقدان وظائفهم والمزارعين المتضررين من إجراءات التقشف، بينما تلوح في الأفق إضرابات في قطاعي النقل والخدمات العامة في فرنسا.
تحديات اقتصادية متصاعدة
وسلطت زيارة وزير الصناعة مارك فيراتشي الأخيرة لمصنع «ميشلان» في مدينة شوليه المختص بتصنيع الإطارات، الضوء على مدى الغضب العمالي، حيث اضطر فيراتشي لمغادرة المكان بعد استقبال حافل بالاحتجاجات من العمال، الأمر الذي يعكس غضباً واسعاً بشأن عمليات التسريح، بما في ذلك خطط إغلاق مواقع «ميشلان» في شوليه وفان بحلول العام 2026.
وحاول فريق فيراشي التقليل من شأن الحادث، حيث عزوا الاحتجاجات إلى وجود عدد قليل من الخارجين على الشركة، إلا أن هذا الحادث يعكس حالة التوتر المتزايدة التي تواجهها الحكومة وسط ارتفاع حالات إعادة الهيكلة.
ووفقاً للتقرير، فإنه رغم أن معدلات التسريح الحالية لا تزال أقل من تلك التي شهدتها أزمة العام 2008، إلا أن المسؤولين يحذّرون من توجه مثير للقلق، إذ أشار وزير العمل أستريد بانوثيان-بوفاي إلى أن «خطط الحفاظ على الوظائف»، التي تعني فعلياً تخفيضات في القوى العاملة بالقطاعات المتعثرة، ازدادت منذ العام 2023.
كما اعترف فيراشي في مقابلة على إذاعة «فرنسا إنتر» بأن الآلاف من الوظائف قد تُفقد خلال الأشهر المقبلة، ما يشير إلى واقع اقتصادي صعب قد تواجهه فرنسا.
النقل والخدمات العامة
إلى جانب القطاع الخاص، أثارت سياسات الحكومة أيضًا توترات في القطاع العام، حيث يجتمع قادة النقابات الرئيسة في فرنسا لمعارضة التعديلات المحتملة على تعويضات الإجازات المرضية.
والتقى ممثلو 8 نقابات رئيسة، يوم الثلاثاء، لمناقشة سبل التصدي لإجراءات التقشف الجديدة، وأشار لوك فاري، قائد نقابة السكك الحديد الفرنسية(SNCF)، إلى إمكانية اتخاذ إجراءات« إضراب مفتوح» في أوائل ديسمبر.
كما أعلنت نقابة «فورس أوفريير» بالفعل عن نيتها تنفيذ إضراب لمدة 3 أيام متتالية، بينما دعت نقابات أخرى إلى إضراب لمدة 24 ساعة فقط.
ويعكس هذا التوافق في المواقف أكبر رد فعل عمالي منذ مواجهة إصلاحات التقاعد في العام 2023.
وتشمل النقابات المعارضة في قطاع النقل أيضًا شركات كبرى كـ«إير فرانس» وشركة السكك الحديدية الوطنية (SNCF)، حيث أثارت خطط خصخصة وحدة الشحن في (SNCF)، المقررة بداية من يناير 2025، مخاوف واسعة بين العمال الذين يرون في هذا التحول مؤشرًا على عدم الاستقرار في القطاع العام.
اضطرابات سياسية
وشدد مكتب رئيس الوزراء على الجهود المبذولة لتقليل حالات التسريح عبر تشجيع مبادرات اقتصادية إقليمية ودعوة الشركات إلى تبني سياسات مسؤولة.
وأوضح متحدث رسمي أن الحكومة تهدف إلى التعاون مع منظمات العمال، وأرباب العمل، والهيئات المحلية لدعم استمرارية الوظائف، وتحقيق انتقال سلس للعمال.
بدورهم، يرى الخبراء أن المشهد السياسي الأوسع يشكل عاملاً إضافياً لزعزعة الاستقرار.
ويشير ريمون سوبيا، المستشار السابق للرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، إلى أن العديد من القرارات المثيرة للجدل، كإعادة هيكلة (SNCF)، وتسريحات ميشلان، كانت متوقعة منذ فترة، مضيفاً أن «التوقعات الاقتصادية تظل كئيبة، لاسيما في ظل عدم الاستقرار السياسي الذي يعزز مشاعر القلق».
بدوره، حذَّر دومينيك أندولفاتو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة "بورغون-فرانش-كونتيه"، من أن عناصر الأزمة الاجتماعية متواجدة، موضحاً أن النقابات التي تمثل عمال القطاع العام، القلب النابض للحركة النقابية في فرنسا، قد تعزز نفوذها وسط تقليصات حكومية، وإغلاق شركات صناعية.
ويرى أندولفاتو أن النقابات قد تسعى إلى إعادة فرض دورها في تشكيل الأجندة الاجتماعية الفرنسية بعد فشلها في مواجهة إصلاحات التقاعد.
وخلص التقرير إلى أنه مع تزايد الاضطرابات، تواصل الحكومة تركيزها على منع تسريح العمال، إلا أنها تواجه طريقاً غير واضح، حيث توازن بين التحديات الاقتصادية ومشهد سياسي هش ومعقد.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس