للمرة الثانية في غضون شهر، يقع منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في مدينة قيساريا، تحت الاستهداف المباشر، حيث أفادت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بسقوط قنبلتين ضوئيتين أمام منزله، ولم يكن موجوداً فيه، معتبرة بأن "الحادث خطير للغاية".
ومن جانب آخر، أثارت الحادثة مخاوف السياسيين، وأشعلت عاصفة من التساؤلات في الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية، فيما تتركز المناقشات في الدوائر العسكرية والسياسية حول استمرارية تركيز الهجمات على منزل نتانياهو في مقبل الأيام.
وحول ردود الأفعال الإسرائيلية، اعتبر وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين، بأن "الحادثة عنيفة وفوضى تستهدف اغتيال نتانياهو، والإطاحة بالحكومة المنتخبة، وقد حان الوقت لإصلاح منظومة القضاء، وإنفاذ القانون ووضع حد للفوضى ومحاولات المساس برئيس الوزراء".
بدوره، قال وزير الدفاع الإسرائيلي إن الواقعة تجاوزت كل الخطوط الحمراء، داعياً الأجهزة الأمنية والقضائية إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لوضع حد لهذا الأمر.
وفي السياق ذاته، أكد وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش أن "العنف هو تقويض لأساس الديمقراطية الإسرائيلية وعلى سلطات تطبيق القانون وأجهزة الأمن أن تستفيق وتتحرك قبل فوات الأوان".
من جانبة، قال وزير الأمن القومي بن غفير "اليوم تم إلقاء قنبلة إضاءة على منزل رئيس الوزراء نتانياهو، وغداً قد يتم إطلاق رصاص حي".
أما زعيم المعارضة الإسرائيلية لبيد صرح أنه يتوقع "العثور على الجناة ومحاسبتهم".
احتجاجات بالقنابل المضيئة في هذا الصدد، أكد المحلل العسكري والسياسي الإسرائيلي د.موشيه إلعاد لمنصة "المشهد" بأن "هذه المرة الثانية في غضون شهر، يتعرض فيها مقر إقامة رئيس الوزراء نتانياهو في قيساريا لهجوم، لكن الحادثة مختلفة تماماً، كون الضربة جاءت من الداخل الإسرائيلي، وتحديداً من شاطئ قيساريا حيث تم إطلاق قنبلتين ضوئيتين باتجاه منطقة منزل نتانياهو، كاميرات المراقبة أظهرت إحدى الطلقات وهي تسقط بالقرب من منزل نتانياهو، وأوقعت بعض الأضرار الطفيفة".
وشدد إلعاد خلال حديثه بالقول: "لا يوجد أي صلة بين حادث "حزب الله" الذي استهدف منزل نتانياهو بمسيرة، وواقعة اليوم، فأصابع الاتهام اتجهت نحو المتظاهرين الذين يحتجون كل أسبوع ضد سياسات نتانياهو، الشرطة الإسرائيلية ألقت القبض على المشتبه بهم وتقوم بالتحقيق معهما، بعد أن قاموا بالصراخ والتلويح باللافتات خلال سلسلة الاحتجاجات المتواصل في مراكز المدن ضد الحكومة الإسرائيلية، ويمكن اعتبار الحادثة محاولة إطاحة بالحكومة الإسرائيلية، ورسائل مباشرة لنتانياهو".
ونفى المحلل العسكري والسياسي أن ما حصل في محيط منزل نتانياهو يتعلق بفشل أمني، "ما جرى هو حدث مدني احتجاجي ضد الحكومة الإسرائيلية المتمثلة بنتانياهو، ولا علاقة للجانب الأمني على الإطلاق، وفي إسرائيل يؤخذ هذا الأمر على محمل الجد، لأنه اعتداء على رئيس الوزراء، وعلى الرغم من ذلك، يبقى الهم الإسرائيلي يتجه نحو الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة وجنوب لبنان، وليس صوب حادثة قيساريا، فالمعلومات الأولية تفيد بأن المحققين مع المشتبه بهم يؤكدون بأن الهدف مواصلة الاحتجاج ضد الحكومة، وإثارة وسائل الإعلام، وليس المس أو قتل رئيس الحكومة نتانياهو، بل التذكير بقضية الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة من أجل التحرك واستعادتهم".
استغلال الحادثة وفي هذا الإطار، أوضح المحلل السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن لـ"المشهد" بأن ما جرى يأتي ضمن حلقة الاحتجاجات الإسرائيلية ضد سياسة الحكومة الإسرائيلية، مشيراً بأن "سياق استهداف منزل نتانياهو يختلف عن مسيرة "حزب الله"، ونحن هنا لا نتحدث عن مشاكل أمنية، أو نجاح لقوات معادية في ضرب المنزل أو شخص رئيس الوزراء، وإنما هي محاولة إسرائيلية ليكون هناك بعد آخر من التظاهرات والاحتجاجات الإسرائيلية ضد سياسة حكومة نتانياهو".
واستكمل المحلل السياسي شتيرن حديثه قائلاً: "على ما يبدو كان هناك إطلاق قذائف مضيئة باتجاه منزل نتانياهو مباشرة، من التظاهرة التي كانت في مدينة قيساريا على مقربة من المنزل، فأغلب المتظاهرين الذين شاركوا فيها من أفراد الجيش الإسرائيلي، قاموا بإطلاق القذائف ليس بهدف قتل نتانياهو، وإنما نوع من الاحتجاج ضد مضي الحكومة الإسرائيلية في سياساتها التعسفية، غير آبهة لإرادة وتطلعات ومطالب الإسرائيليين".
مواضيع ذات صلة وحذر شتيرن عبر "المشهد" من مغبة استغلال الحكومة الإسرائيلية لواقعة قيساريا قائلاً: "أتوقع بأن تقوم الحكومة الإسرائيلية الحالية بتوظيف ما حدث في قيساريا لمصلحتها، أي فرض قيود إضافية على التظاهرات اليومية التي تشهدها إسرائيل خصوصا يوم السبت، وهذا مخالف للقوانين والأسس الديمقراطية التي تسمح بحرية التظاهر والاحتجاج على ملف الحكومة، وهنا نخشى من توظيف الحادثة لوضع قيود جديدة ضد التظاهرات، والحد من حرية الإسرائيليين، وهذا أمر خطير للغاية وله تبعات مستقبلية كارثية".
سياسة نتانياهو الهدّامة من وجهة نظر المحلل في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات فقال لـ"المشهد" إن "سياسة نتانياهو في إقصاء وإضعاف دور المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بالمشاركة في صناعة القرار، يحدث إرباكاً للمؤسسة نفسها وسير عملها، وباتت تفقد مقومات الثقة بنفسها وقدراتها، هذا سيفتح المجال أمام الاختراق وحالة من عدم المبالاة، وبالتالي المؤسسة تتراجع في قدرتها على تحقيق الأمن للمجتمع الإسرائيلي بشكل عام، ولنتانياهو بشكل خاص".
ونوه المحلل في الشأن الإسرائيلي بأن "منزل نتانياهو قد يصبح عبئاً على المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، ويدفع إلى حالة من التقصير المقصود وغير المقصود، عندما يتم تركيز البعد الأمني على منطقة جغرافية غير مأهولة، وهي منطقة سكن نتانياهو في قيساريا، وهو لا يقيم في منزله الآن، نتيجة اختبائه في الأماكن المحصنة، هذا سيجعل من كل هذه القدرات الأمنية والعسكرية تعاني الإرهاق الداخلي".
وشدد بشارات "هذه الحادثة، واحدة من الإرهاصات التي توقعناها منذ بداية الحرب، فذهاب نتانياهو في عقلية حرب الضروس التي يقودها ليس ضد الفلسطينيين فحسب، وإنما يعمل على تغيير التركيبة الأيدلوجية الفكرية المؤسساتية داخل إسرائيل، فهو غلف الحرب للقضاء على "حماس"، لكن في نواياه الداخلية، يحاول إثبات وتثبيت منهجه وحكمه وأركان سياساته وشخصيته، ويسعى لاستدامة وجوده على سدة الحكم في إسرائيل".
وأكد لـ"المشهد" بأنه "كلما طال أمد الحرب وأحدث نتانياهو تغييراً جذرياً في فكر الوجود اليهودي، سيخلق تيارات متناقضة مع الهدف والسياسات والأدوات التي لجأ إليها نتانياهو، الذي اختار نهج اليمين المتطرف وهذا الأمر قد يحدث انقلاباً واستهدافاً عليه، إما من قبل اليمين المتطرف نفسه، أو ربما من الأوساط الإسرائيلية الأخرى ذات الطابع العلماني، لأن نتانياهو يهدم القيم والمبادئ والهوية التي قامت عليها إسرائيل، هذا يولد حالة من الخلاف والاستهداف الإسرائيلي ضده".
(المشهد - القدس)
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد