استفاق الأردنيون أمس السبت على وقع أزمة متصاعدة لامست القطاع الصحي في المملكة، فيما حذّر الكثيرون من أنها قد تؤثر سلبا على المواطنين.
جاءت الأزمة الأخيرة، بعد صدام زادت وتيرته مؤخرا بين نقابة الأطباء من جهة وبين شركات التأمين من جهة أخرى، حول لائحة الأجور الطبية لسنة 2024.
بدأت القضية، عندما قرّرت النقابة رفع تسعيرة الكشفية والفحص الطبي والإجراءات التشخيصية والجراحية بنسب متفاوتة، معتبرة أن اللائحة تنصف الأطباء في القطاع الخاص الذين حُرموا على مدار 15 عاما من زيادة في خدماتهم.
وتعود جذور هذه الأزمة إلى خلافات مستمرة حول الأجور التي يتقاضاها الأطباء مقابل خدماتهم، حيث تسعى النقابة إلى تحسين الأجور لتتناسب مع تكاليف المعيشة المتزايدة، بينما تعارض شركات التأمين هذه الزيادات، مما أدى إلى وقف استقبال المرضى من حملة التأمين الصحي الخاص.
وفي الوقت الذي أكد فيه مختصون أن هذه الأزمة تؤثر بشكل سلبي على المرضى الأردنيين، حيث يجد المرضى أنفسهم في موقف صعب، إذ قد يواجهون صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة بسبب ارتفاع تكاليف الفحوصات والعلاجات، إلا أن آخرين أكدوا أن من حق الأطباء أنفسهم الحصول على زيادة في تسعيرة خدماتهم، خصوصا وأن هناك زيادات طرأت على مختلف القطاعات من دون القطاع الطبي.
لائحة الأجور الطبية 2024 في محاولة لحل هذه الأزمة، جرى تشكيل لجنة تضم ممثلين عن النقابة وشركات التأمين بوساطة من البنك المركزي وبإشراف من وزارة الصحة الأردنية، حيث سعت الأطراف جميعها للتوصل إلى حلول توافقية تضمن حقوق الأطباء وتخفف من الأعباء المالية على المواطنين.
وبعد مخاض عسير زاد عن العام، خرجت لائحة الأجور الطبية الجديدة لتُنشر في الجريدة الرسمية في 15 أكتوبر، ودخلت حيز التنفيذ وفق القانون في 16 نوفمبر.
وتضمن اللائحة زيادة في الأجور بنسبة 60% مقارنة بلائحة 2008، حيث تم تقسيم الزيادة إلى 3 مراحل بواقع 20% بعد شهر، و20% بعد عام من نشرها، و20% ثالثة بعد عامين.
يُذكر أنه في يوليو الماضي، قرر وزير الصحة الأردني الدكتور فراس الهواري إلغاء العمل بلائحة الأجور الطبية لعام 2024 والعودة إلى لائحة عام 2008، وذلك وفقاً لما نُشر في الجريدة الرسمية في ذلك الوقت.
وجاء قرار الوزير استناداً إلى الصلاحيات المخولة له بموجب المادة 47 من الدستور الأردني والمادة 3 من قانون الصحة العامة رقم 47 لسنة 2008.
كما ألغى الوزير العمل بلائحة الأجور الطبية لعام 2024 المنشورة في الجريدة الرسمية رقم 5932 بتاريخ 13 يونيو، واستمر في تطبيق لائحة الأجور الطبية لعام 2008 حتى يتم تزويد وزارة الصحة بلائحة جديدة من قبل نقابة الأطباء، وفقاً لما تم التوافق عليه في اجتماعات اللجنة المشتركة التي تم تشكيلها لهذا الغرض.
ما رأي نقابة الأطباء؟ في هذا السياق، قال رئيس اللجنة الإعلامية في نقابة الأطباء الدكتور حازم القرالة إن الأطباء كانوا يتعاملون طيلة الأعوام الـ15 الماضية، وفق لائحة صدرت عام 2008، ولم يطرأ عليها أي تعديل منذ ذلك الحين، سواء كان برفع الأجور مراعاة لنسب التضخم التي تحصل سنويا أو إدخال الإجراءات الطبية المستحدثة والتي تبلغ نسبتها أكثر من 55% من المجموع الكلي لعدد الإجراءات.
وأضاف القرالة في تصريح لمنصة "المشهد" أن اللائحة القديمة كانت تضم أقل من 2000 إجراء طبي، في حين اللائحة الجديدة تحتوي على نحو 5 آلاف إجراء طبي.
وأوضح أن اللائحة الأخيرة، مرت بمخاض عسير، وكان هناك اجتماعات مطوّلة على مدار أكثر من عام ضمت وزارة الصحة والجهات الدافعة للفاتورة العلاجية ونقابة الأطباء.
مواضيع ذات صلة وتابع "انتهت هذه المفاوضات جميعها بعد أن سُحبت اللائحة في نسختها الأولى، ليتم إجراء تعديلات عليها عبر خصومات على معظم الإجراءات فيها".
وكانت الخصومات وفق القرالة، تتراوح بين 10% إلى 45%، حيث وافقت عليها وزارة الصحة واطلعت عليها شركات التأمين وأرسلت إلى رئاسة الوزراء ونُشرت في الجريدة الرسمية حسب الأصول.
واعتبر أن ما جرى مؤخرا من خلاف، يكمن في أن شركات التأمين عادت ورفضت العمل بهذه اللائحة الرسمية، وصرحت بأنها سوف تقوم بمحاسبة الأطباء من خلال تسعيرة خاصة لا تحمل أي سند قانوني.
وأكد القرالة أن هذه في الحقيقة، "سابقة خطيرة من خروج على القانون ورفض للانصياع إلى التعليمات النافذة".
وشدّد على أن اللائحة، تخص جميع الأطباء الأردنيين العاملين في القطاع الخاص والبالغ عددهم نحو 16 ألف طبيب وطبيبة، من بين أكثر من 30 ألف طبيب.
وجهة نظر شركات التأمين ومنذ يوم السبت، لم تتوقف الجمعيات الطبية التابعة لنقابة الأطباء، عن إصدار التعاميم لأعضائها والتأكيد عليهم بضرورة الالتزام بتعليمات النقابة المتعلقة بتطبيق لائحة الأجور 2024.
واعتبرت شركات التأمين أن العمل بلائحة الأجور لسنة 2024، فيه غبن يقع عليها وإضرار بصحة المواطنين.
وأكد الرئيس التنفيذي لاتحاد شركات التأمين الدكتور مؤيد الكلوب أنه لا يجوز لنقابة الأطباء أن تضع لائحة أجور بشكل منفرد وتفرضها حتى على الأطباء جميعا بنفس التسعيرة.
وأشارت شركات التأمين إلى أنها ستعتمد مسوّدة لائحة أجور 2021 مع نسبة تخفيض 50% عليها.
كما شدد الكلوب على أن اتحاد شركات التأمين والجمعية الأردنية للتأمينات الصحية، يرفضان التوقيع على العقد الموحّد التي وضعته النقابة.
ومنذ السبت، قامت شركات التأمين بإرسال عشرات الكتب إلى أطباء في القطاع الخاص، تعلمهم بإلغاء اعتمادهم فيها، في حين أكدت النقابة أنها ستقف سدّا منيعا أمام ما يجري وأن أي طبيب يثبت عدم التزامه باللائحة يعرّض نفسه للعقوبات بالإضافة إلى المثول أمام لجان التأديب لديها.
كرة الثلج.. تتدحرج واليوم الأحد، حذّر مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية من التداعيات السلبية للنزاع القائم بين نقابة الأطباء وشركات التأمين حول لائحة الأجور الطبية الجديدة.
وأكد المركز في بيان أن المواطن الأردني هو المتضرر الأكبر من هذا النزاع.
وقال إن النقابة ألزمت الأطباء بعدم معالجة أي مريض إلا إذا دفع نقدا، بينما أعلنت شركات التأمين نيتها إلغاء اعتماد الأطباء الذين يرفضون استقبال المرضى المؤمنين أو يخالفون التزاماتهم التعاقدية القديمة.
واعتبر المركز أن هذه التطورات ستُدخل المواطنين في حالة من عدم اليقين وتفاقم الأعباء المالية عليهم، وستؤثر سلبا على فرص وصولهم الى الرعاية الصحية.
وشدّد المركز على أن النزاع الحالي يعكس فجوات منهجية عميقة في نظام الرعاية الصحية الأردني، إذ يتجاوز كونه خلافا ماليا بين الأطراف ليصبح تهديدا حقيقيا للحق في الصحة لمئات الآلاف من الأردنيين.
وطالب الحكومة إلى التدخل الفوري لضمان هذا الحق باعتباره حقا أساسيا مكفولا بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وليس امتيازا يُترك للعرض والطلب.
(المهد - عمّان)
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد